Feat

Searching...

ضروب الخطابة في العصر الأموي

فبراير 17, 2012

ضروب الخطابة في العصر الأموي:
عرف العصر الأموي أنواع الخطابة التي كانت شائعة في صدر الإسلام، إضافة إلى أنواع جديدة أوجدها تطور الحياة الفكرية والأحداث السياسية والاجتماعية وظهور الفرق الدينية والكلامية. 
وفي مقدمة الأنواع الخطابية التي ازدهرت عصرئذ الخطابة السياسية، وقد توافرت جملة من العوامل لازدهارها من ذلك الصراع على الحكم، فإن استئثار بني أمية بالحكم وجعله وراثياً بعد أن كان شورياً أثارا معارضة عنيفة من قبل فئات سياسية مناوئة للحكم الأموي وأبرزها: الحزب الخارجي، الحزب الشيعي،والحزب الزبيري، فضلاً عن نشوب ثورات تتوخى القضاء على الحكم الأموي كثورة ابن الأشعث وثورة ابن المهلب. 
أدت وفرة الأحداث والصراع بين الأحزاب السياسية إلى ازدهار الخطابة السياسية ازدهاراً لم تشهد نظيره في أي من العصور، إذ كان لها الشأن الأول في استمالة الأنصار ومقارعة الخصوم وإرهاب الثائرين وتشجيع المناضلين وعرض حجج كل من الأحزاب المصطرعة ومناظرة أعدائهم. 
ويتصل بالخطابة السياسية الخطب الحربية، فقد استدعت حركة الفتح الإسلامي التي بلغت مداها الأقصى في عصر بني أمية وجود خطباء يذكون وقد الحماسة في نفوس المقاتلة ويحضونهم على مجاهدة أعدائهم. وكان قادة الجيوش في الغالب ممن يجيدون الخطابة، ومن هذا القبيل خطبة طارق بن زياد يوم فتح الأندلس، وخطب ولاة خراسان في تحريضهم الجند على القتال إبان الفتوح فيما وراء النهر كخطب قتيبة بن مسلم ويزيد بن المهلب وأسد بن عبد الله القسري وغيرهم. 
وثمة ضرب من هذه الخطب تختلط فيه المعاني السياسية بالمعاني الدينية هو القصص. فكان القصاص يرافقون الجيوش الغازية ويثيرون الحمية في النفوس عن طريق التمثل بالآيات القرآنية التي تحث على الجهاد وتذكير المجاهدين بما ينتظرهم عند الله من الثواب العظيم وربما استعانوا بأخبار فرسان العرب القدامى لتحقيق هذه الغاية . 
والضرب الثاني من الخطابة هو الخطابة الدينية، وقد نالت هذه الخطابة حظاً وافراً من الازدهار والنماء في عصر بن ي أمية وإن لم تضارع الخطابة السياسية. ومرد ازدهارها إلى دواع شتى منها ظهور الفرق الدينية، وقد اكتسى حزبا الخوارج والشيعة مع الزمن ثوباً دينياً بعد أن كانا حزبين سياسيين. وهذه الفرق كانت تستعين بخطبائها في الدعوة إلى مبادئها والرد على خصومها، وكثيراً ما كانت المناظرات تقوم بين الفريقين المتنازعين. 
ومما ساعد على نمو الخطابة الدينية كذلك حركة الزهد التي شهدها العصر الأموي، فقد ظهر في ذلك العصر جماعة من الزهاد وجهوا همهم إلى وعظ الناس وصدهم عن التهالك على ملاذ ّ الدنيا، وكان ظهور حركة الزهد رداً على انغماس عامة الناس في الشهوات، ولاسيما أولئك الذين أفاءت عليهم الفتوح أو التجارة المال الكثير. وكان في مقدمة الوعاظ الحسن البصري الذي نذر نفسه لهداية القوم وتزهيدهم في الدنيا الفانية بمواعظ بلغت الغاية في بلاغتها وقوة أثرها. 
وإلى جانب القصاص الذين كانوا يرافقون الحملات الغازية لحث الجند على الاستبسال في القتال وجدت جماعة أخرى من القصاص تلازم المساجد وتقوم بسرد القصص الديني وتفسير القرآن الكريم تفسيراً ممزوجاً بقصص الأنبياء وأخبار الأمم القديمة، وكان بعضهم يجنح إلى المبالغة والتزيد كي يستميلوا الناس إلى قصصهم. 
ويضاف إلى هذه الأنواع من الخطابة الدينية تلك الخطب التي كانت تلقى في المساجد أيام الجمع وفي الأعياد، وكان الوعظ غالباً على هذه الخطب إلا أنها لم تكن تخلو أحياناً من التعرض للجوانب السياسية. 
وثمة خطب كان يلقيها الزهاد بين أيدي الخلفاء والولاة لتزهيدهم في الدنيا وقد أطلق عليها لفظ «المقامات». 
ومن ألوان الخطابة الدينية أخيراً الخطب المتصلة بعقائد المتكلمين. وقد شهد العصر الأموي ظهور أوائل الفرق الكلامية المرجئة والقدرية والمعتزلة والجبرية، وكان لكل من هذه الفرق دعاتها الذين يروجون لعقائدها ويجادلون خصومها، وكثيراً ما كانت المناظرات تقوم بين هؤلاء، كل يدلي بحجته وأدلته، فارتقى بذلك فن المناظرة، وهو فن لم يعرفه العرب قبل، وفي حين كانت ضروب الخطابة الأخرى قوامها العناصر العاطفية كان قوام المناظرات العناصر العقلية المنطقية، وقد بلغ هذا الفن غايته في العصر العباسي. 
والضرب الثالث من الخطابة هو الخطابة الحفلية. والمراد بالخطابة الحفلية الخطب التي كانت تلقى في المحافل والمجالس والأسواق لغرض من الأغراض المتصلة بالحياة الاجتماعية كالمفاخرة والتهنئة والتعزية والتكريم والشكوى وعقد النكاح وإصلاح ذات البين ونحو ذلك. 
وقد حظيت هذه الخطب بقسط وفر من النماء والارتقاء في العصر الأموي لتوافر دواعيها، فكانت الوفود تقدم على الولاة والخلفاء ويقوم خطباؤها فيلقون الخطب بين يدي الوالي والخليفة في الغرض الذي قدموا من أجله. وربما اجتمع في مجلس واحد خطباء من قبائل شتى فيجري بينهم التفاخر بقبائلهم والإشادة بمآثرها. وقد شهد العصر الأموي استعار نار العصبية القبلية على نحو لم تعرفه العصور السابقة وأدى استعارها إلى نمو الشعر القبلي واتساع نطاقه من جانب وإلى كثرة المفاخرات القبلية من جانب آخر، ولاسيما بين خطباء العدنانية والقحطانية. 
ومما يلفت النظر في ذلك انتقال مراكز النشاط الأدبي من البوادي إلى الحواضر والأمصار المحدثة التي ازدحمت بأفواج المهاجرين إليها من شتى قبائل العرب، فأدى ذلك إلى وقوع المفاخرات بين خطباء تلك القبائل في تلك الحواضر فضلاً عما قام بين شعرائها من مناقضات. 
وقد ظلت الخطابة الحفلية التي كانت معروفة من قبل قائمة في العصر الأموي كخطب ال إ ملاك وخطب إصلاح ذات ا لبين وخطب التعزية وغيرها. 
خصائص الخطابة في العصر الأموي: كان الخطباء الأمويون يعنون بتجويد خطبهم وتحبيرها وتنميقها حتى تأتي في الصورة التي يرتضونها ولم يكونوا يرسلون الكلام عفواً على البديهة - صنيع الجاهليين - وقد أثر عن البعيث الخطيب الشاعر قوله: «إنّي والله ما أرسل الكلام قضيباً خشبياً وما أريد أن أخطب يوم الحفل إلا بالبائت المحكك». 
وكان من ثمرة هذ ا التنقيح أن جاءت خطب العصر الأموي منسقة الأفكار، مرتبة الأقسام، محكمة التسلسل. وتظهر هذه السمات على نحو جلي في خطبة زياد التي قالها يوم قدم البصرة. 
وكان من خطباء العصر الأموي من تعمد محاكاة أهل البادية في جزالة أسلوبهم وبداوة ألفاظهم. ويظهر الطابع البدوي في خطب الحجاج خاصة. على أن أسلوب الخطابة الأموية كان يتفاوت بتفاوت أغراضها وموضوعاتها. 
وقد ظلت خصائص الخطابة التي وجدت في خطب صدر الإسلام قائمة في الخطب الأموية، ومن ذلك استهلال الخطبة بذكر اسم الله وحمده وإلا كانت بتراء وتوشيحها بآي من القرآن الكريم وإلا كانت شوهاء، وقد يتمثل الخطيب بشي ء من الشعر أو الرجز. 
وربما وقع السجع في طائفة من الخطب الأموية ولكن الخطباء ما كانوا يسرفون في الإتيان به كراهية محاكاة سجع الكهان، وكان النبي e وخلفاؤه يوصون الخطباء بتحامي هذا السجع. 
وحين ظهرت الفرق الكلامية برزت الحاجة إلى تعليم أتباع كل فرقة أصول الخطابة ووسائل الإقناع وتدريبهم على محاجة خصومهم بالبراهين والأدلة العقلية، وظهر صدى ذلك في خطبهم ومناظراتهم من حيث خصب الأفكار وتنسيقها وعمقها واستنادها إلى المنطق وأصول الجدل. 
وفي الوسع القول إن ف ن الخطابة لم يبلغ في أي عصر من العصور ما بلغه في العصر الأموي من النماء والنضج. 
أعلام الخطباء في العصر الأموي: ظهر في العصر الأموي عدد وفر من الخطباء في شتى ضر و ب الخطابة، ومن اللافت للنظر في ذلك العصر ظهور جماعات من الخطباء تنتمي كل منها إلى أسرة واحدة. ومن هؤلاء آل رقبة الذين ينتمون إلى قبيلة عبد القيس الربعية ومن الخطباء المشهورين في هذه الأسرة كرب بن رقبة وابنه مصقلة بن كرب، وهو أشهر خطباء هذه الأسرة، وكان أيام الحجاج. وقد ذكر الطبري أن الحج اج لما دخل الكوفة بعد هزيمة ابن الأشعث أجلس مصقلة بن كرب إلى جانبه وأمره أن يخطب فيشتم كل امرئ بما فيه. وكان ابنه كرب بن مصقلة خطيباً مفوهاً كذلك، وكان له خطبة يقال لها «العجوز» كان آل رقبة يفاخرون بها. 
ومن الأسر التي اشتهرت بالخطابة كذلك آل الأهتم من قبيلة تميم، وهي أعرق الأسر ال عربية في الفن الخطابي، وعرف منها في العصر الجاهلي والإسلامي عمرو بن الأهتم [ر]، وأخوه عبد الله بن الأهتم. وكان لعبد الله ولدان اشتهرا بالخطابة في عصر بني أمية هما صفوان ابن عبد الله بن الأهتم، وعبد الله بن عبد الله ابن الأهتم. وقد ذكر أن عبد الله هذا دخل على عمر بن عبد العزيز فألقى بين يديه خطبة بليغة عرض فيها بأسلاف عمر من بني أمية. 
وفي أواخر العصر الأموي ظهر من هذه الأسرة خطيبان أصابا شهرة بعيدة هما خالد بن صفوان بن عبد الله بن الأهتم، وشبيب بن شيبة ابن عبد الله بن عبد الله بن الأهتم، وكان لهذين الخطيبين شأن كبير في العصر العباسي كذلك. 
ومن الأسر القرشية التي كان لها حظ واف من الشهرة الخطابية عصرئذ آل العاص، وهم من بن ي أمية. ومن مشهوري خطباء هذه الأسرة سعيد بن العاص [ر]، وهو أشهر خطبائها. ومنها كذلك عمرو بن سعيد بن عمرو بن العاص المعروف بعمرو بن خولة - نسبة إلى أمه - وهو من الخطباء الذين فاخر بهم بنو أمية بني هاشم. 
ومن الأسر التي اشتهرت بالخطابة الدينية في ذلك العصر أسرة فارسية الأصل تنتمي بالولاء إلى قبيلة رقاش البكرية، ومن هذه الأسرة يزيد بن أبان الرقاشي، وكان من القصاص المجيدين، وابن أخيه الفضل بن عيسى بن أبان القصاص. وكان عمرو بن عبيد يحضرمجلسه، ثم اشتهر بعدئذ ابنه عبد الصمد بن الفضل الرقاشي. 
إلى جانب هذه الأسر الخطابية ظهر عدد جم من الخطباء المجيدين، وقد تقدم القول إن كل حزب من الأحزاب السياسية كان يستظهر بطائفة من الخطباء للمنافحة عنه. وقد برز من الحزب الأموي خطباء من الأسرة الأموية أشهرهم معاوية بن أبي سفيان، وابنه يزيد، وعبد الملك بن مروان، وسليمان بن عبد الملك، وعتبة بن أبي سفيان، وعمرو بن سعيد الأشدق. 
وأشهر خطباء الحزب الأموي زياد بن أبي سفيان [ر]، والحجاج بن يوسف [ر]، وكلاهما من قبيلة ثقيف التي كانت تستوطن الطائف. وقد تجلى نبوغ زي ا د الخطابي منذ أيام عمر بن الخطاب، ودعاه عمر بالخطيب المصقع. وقد مهدت له براعته البيانية والحسابية وثقافته الطريق لتولي الإمارة أيام علي ومعاوية، فولاه علي فارس وكرمان، وبعد مقتل علي استماله معاوية إلى صفه واستحلفه بنسبه وولاه البصرة، وهي يومئذ تموج بالفتن والاضطراب، فاستطاع بحنكته السياسية وحزمه القضاء على الفتنة وحمل أهل البصرة على طاعة بني أمية وأشاع الأمن والاستقرار فيها. وما لبث معاوية أن ضم إليه الكوفة بعد وفاة واليها المغيرة بن شعبة [ر]، فكان أول من جمع له العر ا قان. ولما توفي سنة 53هـ كان الأمن والهدوء يعمان أرجاء العراق. 
وقد سار الحجاج بن يوسف على خطا سلفه زياد ولكنه كان أكثر ميلاً إلى البطش وسفك الدماء. وكان يضارع في البراعة الخطابية، وشهد له معاصروه بذلك فقال مالك بن دينار: «ما رأيت أحداً أبين من الحجاج، وإن كان ليرقى المنبر فيذكر إحسانه إلى أهل العراق وصفحه عنهم وإساءتهم إليه حتى أقول في نفسي: لأحسبه صادقاً وإني لأظنهم ظالمين له».
ومن ولاة بني أمية الذين اشتهروا بالخطابة خالد بن عبد الله القسري [ر] وأخوه أسد، وروح بن زنباع، وعبد الله بن عامر، وبلال بن أبي بردة الأشعري، والمهلب بن أبي صفرة، و ا بنه يزيد، وقتيبة بن مسلم، ونصر بن سيار. 
وظهر من الخوارج كثرة من الخطباء المجيدين منهم قطري بن الفجاءة [ر]، وعبيدة بن هلال اليشكري، والمستورد بن علفة، وزيد بن جندب الإيادي، وقد أشاد الجاحظ بفصاحته وبراعته الخطابية، وعمران بن حطان شاعر الصفرية وخطيبهم، وصالح بن مسرح وقد اشتهر بقصصه ووعظه لأصحابه، والضحاك بن قيس الشيباني. وأشهر خطباء الخوارج في ذلك العصر هو أبو حمزة الخارجي الإباضي [ر]، وقد انتهت إلينا طائفة من خطبه تنبئ بمهارته البيانية المتفوقة. 
وبرز من رجال الحزب الشيعي عصرئذ الحسن والحسين ابنا علي رضي الله عنهم، وقد ورثا عن أبيهما البلاغة والمقدرة الخطابية. ومن خطباء الشيعة كذلك زيد بن علي، رأس الزيدية، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر، وحفيده عبد الله بن معاوية بن عبد الله، ومنهم كذلك صعصعة بن صوحان، والمختار الثقفي، وسليمان بن صرد زعيم التوابين، وعبيد الله بن عبد الله المري. 
ومن خطباء الحزب الزبيري المبرزين عبد الله بن الزبير، وأخوه مصعب، وعثمان بن عروة بن الزبير، وأخوه عبد الله بن عروة، وكان هذا أبرع الزبيرية وكانوا يشبهونه في بلاغته بخالد ب ن صفوان. 
وأشهر الخطباء الدينيين عصرئذ هو الحسن البصري [ر]، ولم يحظ أحد من رجال الدين بمثل المنزلة التي حظي بها الحسن في ذلك العصر، وعلى أنه كان من أصل غير عربي فقد أجاد الخطابة إجادة العرب الخلص، وذلك لأنه نشأ نشأة عربية بين مواليه الأنصار، حتى كانوا يشبهونه برؤبة بن العجاج، وشهد له أبو عمرو ابن العلاء بالفصاحة فقال: «لم أر قرويين أفصح من الحسن والحجاج». وكان الحسن يعظ فيأسر القلوب ويسيل الدموع. وكانت حلقة «صاحب العمامة السوداء» أكثر حلقات المسجد ازدحاماً بالوافدين، وكانوا يشبهون كلامه بكلام الأنبياء، ولما توفي سنة 110ه ـ ، كانت وفاته حدثاً عظيماً في تاريخ البصرة، وقد مشى أهلها جميعاً في جنازته واشتغلوا به فلم تقم صلاة العصر في الجامع. 
ومن فصحاء أهل الكلام وخطبائهم واصل ابن عطاء [ر]، شيخ المعتزلة، وقد بلغ من مقدرته الخطابية أنه خطب خطبة كاملة تجنب فيها حرف الراء لئلا تظهر لثغته. ومن خطباء الوعظ سحبان بن زفر الوائلي [ر] الذي ضرب المثل ببلاغته، وقد رووا أنه خطب عند معاوية ذات يوم من صلاة الظهر حتى صلاة العصر. ومنهم كذلك عمر بن عبد العزيز الذي كان يكثر من وعظ الرعية، ومنهم الأوزاعي [ر]، وإياس بن معاوية [ر]، وجامع المحاربي، وصالح المري القاص. 
من أشهر خطباء المحافل في ذلك العصر الأحنف بن قيس [ر] سيد بني تميم، والبعيث المجاشعي، والنخار بن أوس العذري، وصعصعة ابن صوحان. 
الكتابة : عرف العرب الكتابة منذ العصر الجاهلي لتوافر الحاجة إليها، إذ كانوا يحتاجون إليها في كتابة العهود ومواثيق الأحلاف وصكوك التعامل والتبادل التجاري، وفي كتابة الرسائل، وغير ذلك. وقد أشار القرآن الكريم في أكثر من موضع إلى القلم والكتابة نحو قوله تعالى: ) ن، والقلم وما يسطرون ( (سورة القلم، الآية 1). وكذلك نجد في الشعر الجاهلي ما يدل على معرفة الجاهليين بالكتابة. 
إلا أن الكتابة لم تكن شائعة عصرئذ، إذ كان جل العرب على الأمية، وكانت الكتابة منتشرة في البيئات الحضرية أكثر من انتشارها في البيئات البدوية. وبقيام الدولة الإسلامية ازدادت الحاجة إلى الكتابة لتلبية متطلبات الدين الجديد، وانصرفت طائفة من كتاب الرسول e إلى كتابة الوحي، في حين عني آخرون بكتابة الرسائل. وقد ذكرنا أن الكتابة في تلك الحقبة كانت بسيطة موجزة بعيدة عن التعقيد والزخرف. 
فلما جاء العصر الأموي تعقدت الحياة وتطور المجتمع الإسلامي واتسعت رقعة الدولة فوجدت الحاجة إلى إنشاء الدواوين. وكان إنشاؤها قد بدأ في عهد عمر بن الخطاب الذي أنشأ ديوان العطاء، فلما جاء الأمويون أوجدوا دواوين أخرى كديوان الرسائل وديوان الجيش وديوان الخاتم. 
ورافق إنشاء الدواوين بدء حركة التدوين، فجمعت طائفة من الأخبار والسير والأشعار، وكتبت رسائل من موضوعات شتى. 
وقد ظهر في عصر بني أمية كتاب احترفوا صنعة الكتابة، وكان لكل خليفة ولكل وال كتابه. وكان ديوان الخراج يكتب أول الأمر بلغة الدولة التي كانت قائمة قبل الفتح، فكان يكتب بالعراق بالفارسية، وبالشام بالرومية،وكان يتولاه الموالي من الفرس والروم وغيرهم، وفي عهد عبد الملك بن مروان عرب هذا الديوان. 
أما ديوان الرسائل فكانت لغته ال عربية منذ إنشائه، وكان يقوم عليه كتاب من العرب أو من الموالي الذين أجادوا ال عربية. ومن الكتاب المبرزين في ذلك العصر عمرو بن نافع كاتب عبيد الله بن زياد، وجناح كاتب الوليد بن عبد الملك، وعبد الحميد الأصغر كاتب سليمان بن عبد الملك، والليث بن رقية كاتب عمر بن عبد العزيز، وسالم مولى هشام بن عبد الملك، وعبد الحميد الكاتب [ر] كاتب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وهو أشهرهم. 
كانت الكتابة تجري أول الأمر على السنن الذي كانت عليه في صدر الإسلام من حيث توخي البساطة والإيجاز ومجانبة التنميق والزخرف، ولكن تطور الحياة الاجتماعية والعقلية من جانب، وتولي الموالي - من الفرس خاصة - مقاليد الكتابة من جانب آخر، كل ذلك أدى إلى تطور فن الترسل وتعقد أدواته. 
وقد تأثر الكتاب الموالي بمناهج الكتابة وأساليب التعبير في لغاتهم الأصلية، فظ هرت في طرائقهم الكتابية سمات لم تعرفها الكتابة ال عربية من قبل، ومن ذلك إطالة الرسائل والتكرار والترادف والإسراف في التنميق والصنعة. وأول من عرف بإطالة الرسائل عمرو بن نافع كاتب عبيد الله بن زياد، ولم يكن ابن زياد راضياً عن طريقته الكتابية التي تغاير ما ألفه العرب. 
ثم جاء سالم كاتب هشام بن عبد الملك فنهض بفن الكتابة الديوانية، ويقال إنه كان ملماً باللغة اليونانية و إ ن ما أوجده من سمات جديدة في الكتابة ال عربية مرده إلى تأثره بتلك اللغة، وهو قول يفتقر إلى ما يؤيده، ولم يصلنا من رسائل سالم إلا رسالة كتبها على لسان هشام إلى خالد القسري عامله على العراق. 
وعلى يد سالم هذا تخرج عبد الحميد الكاتب، وهو يمت إ ليه بصلة القربى. كان عبد الحميد مولى العلاء بن وهب القرشي، وهو فارسي الأصل، وكان في أول أمره ينتقل في البلدان ويعلم الصبيان في الكتاتيب، ثم التحق بديوان الرسائل بدمشق في عهد هشام بن عبد الملك وتخرج على يد زوج أخته سالم في فن الترسل. وقد اتصل بمروان بن محمد منذ عهد هشام وكتب له، فلما صارت الخلافة إليه اتخذه كاتباً لرسائله، ولازمه عبد الحميد حتى آخر أيامه وأبى أن يتخلى عنه يوم أحيط به فقتل معه، وتذهب رواية أخرى إلى أنه توارى عند صديقه ابن المقفع ثم عثر عليه فقتل. 
وعلى يد عبد الحميد تطور فن الترسل وبلغ غاية بعيدة من النضج،وجمهور الباحثين على أن الكتابة الفنية إنما وجدت على يده، ولهذا قيل: «فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد» وقد انتهت إلينا طائفة من رسائله القصيرة والمطولة وتوقيعاته. 
وأبرز ما تتسم به كتابة عبد الحميد إطالة التحميدات في صدور الرسائل، والإكثار من الترادف، والعناية بالتصوير الفني وبالجانب الموسيقي، وذلك من طريق اختيار الألفاظ والتوازن بين الجمل، والإتيان بالسجع أحياناً. وهو يسرف في استعمال صيغة الحال. وكتابته بعيدة عن البساطة والعفوية اللتين عهدتا في الكتابة ال عربية من قبل وأثر الجهد والتكلف فيها واضح، وهو يسرف في تنميق رسائله وزخرفتها بألوان الصنعة.