Feat

Searching...

نشأة السيميولوجيا

فبراير 17, 2012

نشأة السيميولوجيا :
-    ينظر إلى السيميائية على أنها علم تفسير  معاني الدلالات و الرموز و الإشارات و تعد من أحدث العلوم في مجالات الأدب و اللغة و النقد و هي تعتمد أو ما تعتمد على العلامة " اللغة في جوهرها ليست إلا مجموعة من العلامات  فمنذ العصور السالفة كان الإنسان يعتبر اللغة ضربا من الرموز التي  يصطلح عليها الناس فيما بينهم[1].
- ثم إن السيميائية امتداد للألسنية و تطوير لها إذ أن الكلمات في حقيقتها رموز  ، لأنها تمثل شيء آخر  غير الذي وجدت للتعبير عنه أصلا ، و تسهم دائما في استدعاء فهم المخاطب  قصد بلاغة أمرا ما ، و تشير إلى  دلالات أعمق وذلك ما ينم عن قيمة العلامة  signe  في حياتنا :  و قد لا يكون من المجازفة  الفكرية  في قراءة تاريخ الإنسان  أن نصادر على أن رقيه الحضاري  من حقبة حديثة إلى أخرى  و عند أي أمة إذا قورنت خصائصها  بخصائص الأمم الأخرى قد يقاس بمدى تبلور  فكرة العلامة لديه  و بمدى حضورها ضمن شبكة الدلالات  القصدية التي تحكم حياته الاجتماعية[2]  .
- و يعود تاريخ السيميولوجيا إلى 2000 سنة مضت  كما يقول  "أمبر طواديكو " (مؤلف رواية  اسم الوردة )  و هو يتكلم عن  السيميولوجيا ومنه  نعلم أن السيميولوجيا  ليس علما وليد العصر الحديث كما  يزعم معظمهم ،  و في مقدمتهم الغرب، حيث استعمل في الأصل للدلالة على علم في الطب  و موضوعه دراسة العلامة الدالة على المرض  ، و لاسيما  في التراث الإغريقي  حيث عدت السيميوطيقا  جزءا  لا يتجزأ من الطب [3] .
- المرحلة الأولى :  و قد  وظف أفلاطون لفظ Sémiotique  للدلالة عن فن الإقناع و هذا ما أورده في كتابه و أكد أن للأشياء جوهرا ثابتا و أن الكلمة أداة للتواصل ، و بذلك يكون بين الكلمة و معناها تلاءم طبيعي بين الدال و المدلول . كما إهتم أرسطو  هو الآخر بنظرية المعنى و ظل عملهما في هذا المجال مرتبطا أشد ما يكون بالمنطق الصوري ثم توالت اهتمامات الرواقيين الذين أسسوا الفكر السيميولوجي يقوم على التمييز بين الدال و المدلول.[4]
- المرحلة الثانية : هي مرحلة القديس الجزائري أوغسطين حسب إيكو فهو أول من طرح السؤال : ماذا يعني أن نفسر و نؤول  ؟ و هكذا راح يشكل نظرية التأويل النصي "تأويل النصوص المقدسة" وهذه النظرية من الحداثة الجدة . بحيث أنها تشبه تقريبا نظرية "فنقشتاين" عن اللغة  - و تقول فريال غزول :  أن أهمية القديس أوغسطين (354 - 430) تكمن في تأكيده على إطار الاتصال و التواصل و التوصيل عند معالجته لموضوع العلامة [5]
- المرحلة الثالثة : فهي مرحلة العصور الوسطى، وكانت فترة التأمل بالعلامات و اللغة و يمكن ذكر إسم "أبيلار" و إسم "روجيه بيكون" [6].
- المرحلة الرابعة : حيث نشطت فيها نظرية العلامات و الإشارات مع المفكرين الألمان و الإنجليز في القرن السابع عشر ، و يمكن ذكر إسم كتاب لـ "جون لوك" عام 1690 بعنوان "مقال حول الفهم البشري" يقول مبارك حنون  و قد استعمل لوك  مصطلح سيميو قراطيا Simiotics  ليعني بها العلم الذي يهتم بدراسة  الطرق والوسائط التي يحصل من خلالها على معرفة الفلسفة و الأخلاق و توصيل معرفتها، و يكمن هدف هدا العلم في الإهتمام بطبيعة الدلائل التي يستعملها العقل، بغية فهم الأشياء أو نقل معرفته إلى الأخرين[7].
- المرحلة الخامسة : والتي يتفق جل الباحثين على أنها المرحلة الحاسمة في التحديد العلمي للسيمولوجيا، وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنموذج اللساني البنوي الذي أرسى دعائمه وأسسه العلم السويسري "فردينا نو دي سويسر"ferdinand de saussure  في فرنسا في كتابه محاضرات في اللسانيات العامة وذلك منذ القطيعة الإيستمولوجية التي أحدثها في ميدان الدراسات اللسانية إن جاز التعبير مع فقه اللغة واللسانيات التاريخية، وقد جعلت هذه القطيعة اللسانيات العلم الشامل والرائد الذي تستفيد منه مختلف المدارس والمشارب المعرفية كالنقد الأدبي و الأسلوبية والتحليل النفسي وعلم الاجتماع بالإضافة إلى جهود الوظيفيين في اللسانيات والشكلانيين الرومي في الشعرية.
كما ارتبط هذا العلم من جهة أخرى بالمنطق على يد الفيلسوف الأمريكي بيري (ch. peinée)في أمريكا لكت على الرغم من ظهورهما في مرحلة زمنية متقاربة ، فإن  بحث كل منهما استقل و انفصل عن الأخر انفصالا تاما إلى حد ما ،فالأول بشر في محاضراته بظهور علم جديد سماه السيميولوجيا sémiologie سيهتم بدراسة الدلائل أو العلامات في قلب الحياة  الاجتماعية ولن يعدو أن يكون موضوعه الرئيسي مجموعة الأنساق القائمة على اعتباطية الدلالة على حد تعبير دي سوسير (f.de Saussure) الذي يقول كذلك في هذا الصدد’ ونستطيع إذن أن نتصور علما يدرس حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية ، علما قد يشكل ذرعا من علم النفس الاجتماعي و بالتالي فرعا من علم النفس العام و سوف نسمي هذا العلم بالسيميولوجيا ،ومن شأن هذا العلم أن يطلعنا على كافة هذه العلامات وعلى القوانين التي تحكمها ..... وإن اللسانيات ليست سوى فرع من هذا العلم العام.
وقد تزامن هذا التبشير مع مجهودات تشارلز ساندرس بيرس (Charles sandres Peirce) (1914-1839)  الذي نحى منحا فلسفيا منطقيا رياضيا   و أطلق على هذا العلم الذي كان يهتم به  بالسيميوطيق Sémiotique   و أعتقد تبعا لهذا  أن النشاط الإنساني  نشاط سيميولوجي في مختلف مظاهره و تجلياته ، و يعد هذا العلم في نظره إطارا مرجعيا يشمل كل الدراسات . يقول و هو بصدد تحديد  المجال السيميولوجي العام الذي يتبناه  أنه لم يكن باستطاعتي يوما ما دراسة أي شيء رياضيات كان أم أخلاق  أو ميتافيزيقيا  أو جاذبيا أو ديناميكيا حرارية أو بصريات أو كيمياء  أو تشريحا مقارنا أو فلكا أو علم نفس أو علم صوت أو إقتصاد أو تاريخ .... دون إن تكون هذه الدراسة سيميولوجية " .
إذن فالسيموطيقا حسب مذهب الطبيعة الجوهرية و التنوعات الأساسية  للدلالة الممكنة [8].


مفهوم السيمولوجيا :
لقد تناول الباحثون المختصون مفهوم السيميولوجيا حسب نظريات متفقة أو مختلفة ، و حسب مجالات متنوعة ، كما تناولوا كل مكوناتها و عناصرها و قد كتبت مقالات في هذا الشأن ،و ألفت كتب و عقدت ندوات بينت أن القارئ المبتدئ أو العادي الذي قد يكون في عجلة  يخرج مضبب الرؤى  لا تتضح أمامه مظاهر الاشتراك و الافتراق بين تلك النظريات و المجالات ، و خاصة الطالب العربي يواجه الكثير من الصعوبات ،حينما يدري السيمولوجيا و يحاول أن يستوعبها و يتمثلها  ليجتهد فيها و التي تتجلى بالأسس في تداخل المصطلحات و تشعبها  و اختلاف مضامينها.
-    لذلك سوف نقتصر في هذا الصدد على تحليل المصطلحين الرئيسيين المستعملين في هذا الحقل المعرفي و هما:السيميولوجيا Sémiologie  و السيميوطيقا Sémiotique   معترفين  أننا مهما حاولنا إيجاد محاولة لتعريف هذين المصطلحين لا نستطيع أن نستقر على تعريف دقيق و محدد ، لأن أية محاولة للتعريف لا بد أن تصطدم بتعدد وجهات النظر في تحديد هوية هذا الحقل المعرفي تحديدا دقيقا.
التعريف اللغوي للسيميولوجيا :
-    إن كلمة سيميولوجيا Sémiologie   من الأصل اليوناني Sémion  أو Sémaine و المتولدة هي الأخرى من الكلمة Sémo و تعني العلامة (الدليل) Signe  و هي بالأساس  الصفة المنسوبة إلى الكلمة الأصل (Sens) أي المعنى  أما عن لفضه "لوجيا" Logie  فتعني العلم ، و بالتالي فإن كلمة  السيميولوجيا أو السيميوطيقيا من الناحية اللغوية تعني علم العلامات [9].
-    تكوينيا  الكلمة آتية من الأصل اليوناني  Sémeion    الذي يعني العلامة و Logos  الذي يعني الخطاب  الذي نجده مستعملا في كلمات من مثل Sociologie  علم الاجتماع ، Théologie علم الأديان (اللاهوت) ، Biologie  علم الأحياء ، Zoologie علم الحيوان ، ....الخ و بامتداد أكبر كلمة Logos  تعني علم  هكذا يصبح  تعريف السيميولوجيا على النحو التالي : "علم العلامات" إنه هكذا على الأقل يعرفها "ف. دوسوسور" .[10]
التعريف الاصطلاحي للسيميولوجيا :
إن السيميولوجيا  أو السيموطيقا  أو السيمياء، لدى داريسيها تعني علم دراسة العلامات دراسة  منظمة  و منتظمة ، فهي تدري مسيرة العلامات في كنف الحياة الاجتماعية و قوانينها التي تحكمها  مثل أساليب التحية عند مختلف الشعوب و عادات الأكل و الشرب عندهم ... الخ .
إلا أن الأوروبيون يفضلون مصطلح السيميولوجيا إلتزاما منهم بالتسمية السوسرية نسبة إلى " دي سوير " . أما الأمريكيون فيفضلون مصطلح السيميوطيقا التي جاء بها المفكر و الفيلسوف الأمريكي " تشارلز سندرس بيري " أما العرب خاصة أهل المغرب العربي فقد دعوا إلى ترجمتها بالسيمياء محاولة منهم  في تعريب المصطلح و كما يقول  معجب الزهراني: إن السيمياء ترتبط بحقل دلالي لغوي ، ثقافي يحضر معها فيه كلمات مثل السمة و التسمية و الوسام و الوسم و الميسم و السيماء  و السيمياء (بالقصر و المد) و التي تعني علم العلامة .[11]
-         و قد وردت لفظة السيمياء في القرآن الكريم  ست مرات :
·        قال تعالى :" تعرفهم بسيماهم لا يسألون  الناس إلحافا" سورة البقرة (آية : 76).
·         قال تعالى : " و على الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم" سورة الأعراف (آية :46).
·        و قوله : " ونادى أصحاب الأعراف رجال يعرفونهم بسيماهم" سورة الأعراف (آية 48).
·        و قوله تعالى : " و لونشاء لأريناكم فلعرفتهم بسيماهم" سورة محمد (آية 30).
·        و قوله تعالى :"سيماهم في وجوههم من أثر السجود" سورة الفتح (آية 29).
·        وقال :"يعرف المجرمون بسيماهم" سورة الرمان (آية 41).



[1]  عبد السلام المسدى ، ما وراء اللغة ، بحث في  الخلفيات المعرفية مؤسسة عبد الكريم بن عبد الله  للنشر و التوزيع، تونس 1934 ص50
[2] المرجع نفسه ص 71 .
[3]  مدخل الى السيميولوجيا ، عبيدة صبطي  ، بخوش نجيب ،دار الخلدونية للنشر و التوزيع الجزائر ، الطبعة الأولى 1430 ه 2009 م ص 9
[4]  أنظر كتاب مدخل الى السيميولوجيا لعبيدة صبطي و بخوش نجيب ، دار الخلدونية للنشر و التوزيع ، الجزائر ، الطبعة الأولى 1430 ه / 2009م  ص 9 .
[5] أنظر كتاب تاريخ السيميائية (آن إينو) ترجمة رشيد بن مالك  مراجعة عبد القادر بوزيدة ،عبد الحميد بورايو ،منشورات مخبر الترجمة و المصطلح، جامعة الجزائر و دار الآفاق ح/ط . ص 227
[6] أنظر كتاب تاريخ السيميائية (آن إينو) ترجمة رشيد بن مالك  مراجعة عبد القادر بوزيدة ،عبد الحميد بورايو ،منشورات مخبر الترجمة و المصطلح، جامعة الجزائر و دار الآفاق ح/ط . ص
[7] أنظر كتاب تاريخ السيميائية (آن إينو) ترجمة رشيد بن مالك  مراجعة عبد القادر بوزيدة ،عبد الحميد بورايو ،منشورات مخبر الترجمة و المصطلح، جامعة الجزائر و دار الآفاق ح/ط . ص

[8] أنظر إلى كتاب مدخل الى السيميولوجيا لعبيدة صبطي و بخوش نجيب ، دار الخلدونية للنشر و التوزيع الجزائر، الطبعة الأولى 1430هـ/2009 م ، ص 11-12
[9]  من كتاب مدخل إلى السيميولوجيا لعبيد صبطي و بخوش نجيب ، دار الخلدونية  للنشر و التوزيع الجزائر، الطبعة الأولى  1430هـ /2009 م ص 14
[10] أنظر كتاب ما هي السيميولوجيا .برنار توسان ترجمة محمد نظيف ، إفريقيا الشرق 2000 ، الطبعة الثانية ص 9
[11]  أنظر كتاب مدخل إلى السيميولوجيا لعبيدة صبطي و نجيب بخوش ، دار الخلدونية للنشر و التوزيع ،  الطبعة الأولى 1430هـ /2009 م ص 15.