Feat

Searching...

الحقوق المشتركة بين الزوجين

فبراير 27, 2012

بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :الحقوق المشتركة وهي الحقوق التي أوجبها الله على كل من الزوج والزوجة ، ومن عدل الله-تبارك وتعالى- أن جعل هناك حقوقاً بين الزوجين يشترك كل منهما فيها . ومن أعظم هذه الحقوق حقان : أولهما : حق العشرة بالمعروف . والحق الثاني : حق المبيت والقَسْم . الأول : حق العشرة بالمعروف : فإنه لا سعادة للمسلمين ولا طمأنينة لهم في بيوتهم إلا إذا قامت على العشرة بالمعروف . وهذا الحق أمر الله- تعالى - به لما فيه من صلاح أمر الزوج والزوجة ولما فيه من السعادة لهما وهو الإختبار الحقيقي للزوج وللزوجة . قال الله في كتابه المبين : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }. وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب ، ولذلك قال العلماء : المعاشرة بالمعروف حق واجب يأثم تاركه ويثاب فاعله وقال الله- تعالى - : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }. والمعاشرة بالمعروف تستلزم أموراً لا بد منها وهذه الأمور تكون في قلب الإنسان فيما بينه وبين الله وتكون في قوله وكلماته وما يصدر منه من عباراته وتكون منه في تصرفاته وأفعاله . فهناك ثلاثة جوانب للمعاشرة بالمعروف : أولها وأهمها : النية ، وما غيبه قلب الرجل وغيبه قلب المرأة فلن يستطيع الرجل أن يعاشر امرأته بالمعروف ولن تستطيع المرأة أن تعاشر زوجها بالمعروف إلا إذا غيب كل منهما نية صالحة ، وهذا هو الذي عناه الله- تعالى - بقوله : { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }. فإذاً أراد الإنسان أن يمسك زوجه فلتكن نيته صالحة تجاهها ، ولذلك قال العلماء : ما غيب الإنسان في سريرته وقلبه أمراً خيراً كان أو شراً إلا أظهره الله في فلتات لسانه فالذي ينوي الخير لامرأته ويتزوج المرأة أو يردها إلى عصمته وفي قلبه أن يحسن وأن يكرم وأن يعاشر بمعروف وفقه الله وسدده قال-تعالى- : { إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْراً }. فالله إذا اطلع على قلب الرجل واطلع على قلب المرأة ووجد كلا منهما يبيت النية الصالحة وفق الله كلا منهما في ظاهره وتصرفاته وأفعاله لكي يكون منه الخير . فأول ما يوصى به من أراد أن يعاشر بالمعروف النية الصالحة وكان بعض العلماء يقول : ينبغي للزوج أن يجدد نيته كل يوم حتى يعظم الله أجره ويعظم ثوابه خاصة إذا كانت المرأة صالحة أو كانت ذا حق على الإنسان كقريبته ونحو ذلك فيغيب في قلبه نية الخير لها ، وإذا غيب الخير أظهره الله في أقواله وأفعاله ، وهكذا المرأة تغيب في قلبها نية الخير للزوج وما إن تتغير هذه النية حتى يغير الله ما بالزوجين : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } . فإذا غير الزوج أو غيرت الزوجة غيرا نيتهما غيرَّ الله حالهما من الخير إلى الشر ومن الحسن إلى الأسوأ ، ولذلك كل من أصابته مصيبة بينه وبين أهله فلينظر إلى نيته وقلبه فالأصل في العشرة بالمعروف أنه ينبعث من نية صالحة من نية طيبة ومن قلب يغيب الخير حتى تظهر الآثار على الجوارح قال- صلى الله عليه وسلم - : (( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله )) . الأمر الثاني للعشرة بالمعروف : القول . فكما أن الإنسان ينبغي أن يغيب في قلبه النية الطيبة حتى يعاشر بالمعروف ينبغي أن يكون قوله موافقاً لمرضاة الله- تعالى - . قال بعض العلماء : وعاشروهن بالمعروف - المعروف كل ما وافق شرع الله- تعالى - ، والمنكر كل ما خالف شرع الله- تعالى - فإذا أراد أن يعاشر زوجته بالمعروف فعليه أن يتقي الله فيما يقول ، وكذلك على المرأة أن تتقي الله فيما تقول ، والأصل الذي قرره كتاب الله وقررته سنة النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه ينبغي على كل مؤمن ومؤمنة أن يحفظ لسانه وأن يقول الخير قال- صلى الله عليه وسلم - : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )) . فمن دلائل الإيمان بالله- تعالى - حفظ اللسان واستقامة اللسان حينما يخاطب الناس على العموم ويخاطب الأهل على الخصوص ، والله تعالى أوصى المؤمنين ، أوصى من قبلنا ووصيته وصية لنا فقال لمن قبلنا : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً }(3) . فأمرنا إذا تكلمنا وإذا نطقنا أن نقول الحسن الذي يرضيه-سبحانه- ، لأن القول الحسن يحسن إلى صاحبه في الدنيا والآخرة والقول السيء يسيء إلى صاحبه في الدنيا والآخرة . الحلم زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مهذارا ما إن ندمت على السكوت لمرة ولقد ندمت على الكلام مرارا فالكلمة إذا خرجت من اللسان لا تعود ، وإذا خرجت جارحة قاسية أدمت القلوب وأحدثت فيها من الفساد ومن تغير الإلفة والمحبة ما الله به عليم ، ولذلك أوصى الله بحفظ اللسان أوصى في كتابه وعلى لسان رسوله- صلى الله عليه وسلم - ، وجعل العلماء المحاور التي تكون بها العشرة بالمعروف في الأقوال بين الزوجين في مواضع : المواضع الأول : في النداء إذا نادى الزوج الزوجه وإذا نادت الزوجة زوجها . الموضع الثاني : في الطلب عند الحاجة تطلب منه أو يطلب منها . الموضع الثالث : عند المحاورة والكلام والحديث والمباسطة . الموضع الرابع : عند الخلاف والنقاش . أما إذا نادت المرأة بعلها عند النداء فإنه ينبغي لكل من الزوجين أن يحسن النداء كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ينادي أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- فيقول : (( يا عائش ياعائش )) قال العلماء : إن هذا اللفظ يدل على الإكرام وعلى الملاطفة وحسن التبعل من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لأهله ، منهج للمسلم إذا نادى زوجه أن يجعل في ندائه من الكلمات ماينبيء عن شيء من المحبة والملاطفة ، فالغلظة في النداء والوحشة في النداء بأسلوب القسر والقهر من الرجل أو بأسلوب السخرية والتهكم من المرأة تفسد المحبة وتقطع أواصر الألفة بين الزوج والزوجة فتتخير الزوجة أحب الأسماء لزوجها ويتخير الزوج أحب الأسماء لزوجه . وكما قال عمر- رضي الله عنه - إن مما يبعث المودة والمحبة أن ينادي المسلم أخاه بأحب الأسماء إليه فهي إحدى الثلاث التي تزيد من ود المسلم لأخيه المسلم فكيف بالزوجة مع زوجها . فمن الأخطاء أن يختار الزوج لزوجته كلمة يجرحها بها ويجعلها طريقاً للتعيير والانتقاص لها كذلك الزوجة تختار لزوجها كلمة تنتقصه أو تحقره بها ، وكان بعض العلماء يقول : الأفضل ألا تناديه بالاسم وألا يناديها بالاسم المجرد فمن أكرم ما يكون في النداء النداء بالكنية فهذا من أفضل ما يكون . وقال العلماء : إنه ما من زوج يألف ويعتاد نداء زوجته بالملاطفة إلا قابلته المرأة بمثل ذلك وأحسن فإن النساء جبلن على الملاطفة وجبلن على حب الدعه والرحمة والألفة ، فإذا قابلها الزوج بذلك قابلته بما هو أحسن وأفضل . كذلك عند الطلب وهي الحالة الثانية : إذا خاطب الرجل امرأته عند الطلب وأراد منها أمراً يناديها ليطلب منها بأسلوب لا يشعرها بالخدمة والإذلال والامتهان والانتقاص ، والمرأة إذا طلبت من بعلها شيئاً لاتجحفه ولا تؤذيه ولا تضره ولا تختار الكلمات والألفاظ التي تقلقه وتزعجه فهذا مما يحفظ اللسان ويعين على العشرة بالمعروف بالكلمات . كذلك أيضاً قال- صلى الله عليه وسلم - لأم المؤمنين-رضي الله عنها- وهو في المسجد : (( ناوليني الخمرة )) قالت : إني حائض ! قال : (( إن حيضتك ليست في يدك )) ، فانظر إلى رسول الأمة- صلى الله عليه وسلم - يسأل حاجته من أم المؤمنين فلما اعتذرت اعتذرت بالعذر الشرعي وما قالت لا أستطيع إبهاماً أو بشيء مجهول وإنما قالت إني حائض فبماذا تأمرني وكيف أفعل فقال : (( إن حيضتك ليست في يدك )) أي إذا ناولتنيها فإن دخول اليد ليس كدخول الكل .. الشاهد الملاطفة في النداء والطلب وعند الحاجة . وقد تقع المشاكل الزوجية بكثرة الحوائج . ذكر بعض العلماء : أن المرأة إذا أثقل عليها الزوج بالحوائج وكان أسلوبه في الطلب مزعجاً مقلقاً فإن هذا من أهم الأسباب التي تفسد المودة وتفسد المحبة ؛ لأن المرأة تشعر وكأنها خادمة وكأنها ذليلة في بيت زوجها . ومما أوصى به الحكماء والعقلاء بل أوصى به قبل ذلك رسول الأمة- صلى الله عليه وسلم - المكافأة عند الطلب ولو بالكلمات ، فالزوج إذا احتاج من امرأته شيئاً وطلبها وجاءته بالشيء قابلها بالكلمة الطيبة من الدعاء لها بالخير والدعاء ان يبارك الله فيها ، فالمرأة إذا وجدت أن معروفها يشكر وأن خيرها يذكر ولا يُكفر حمدت ذلك من بعلها ونشطت للإحسان إليه والقيام بأمره وشأنه بل كان ذلك معيناً لها على البقاء على العشرة بالمعروف . الحالة الثالثة : حالة الحديث والمباسطة فلا ينبغي للمرأة ولا ينبغي للرجل أن يحدث كل منهما الآخر في وقت لا يتناسب فيه الحديث ، ولذلك ذكر بعض أهل العلم : أن من الأذية بالقول أن تتخير المرأة ساعات التعب والنصب لمحادثة الزوج أو يتخير الزوج ساعات التعب والنصب لمحادثة زوجته فهذا كله مما يحدث السآمة والملل ويخالف العشرة بالمعروف التي أمر الله- تعالى - بها وقالوا إذا باسط الرجل امرأته فليتخير أحسن الألفاظ وإذا قص لها تخير احسن القصص وأفضلها مما يحسن وقعه ويطيب أثره . الحالة الرابعة : عند الخصومة والنزاع فمن العشرة بالمعروف إذا وقع الخلاف بين الرجل والمرأة أن يحدد الخلاف بينه وبين امرأته وأن يبين لها الخطأ إن أخطأت بأسلوب بعيد عن التعنيف والتقريع إذا أراد أن يقررها وبعد أن تقر وتعترف إن شاء وبخها وان شاء عفا عنها ، أما أن يبادرها بالهجوم مباشرة قبل أن يبين لها خطأها فإن هذا مما يقطع الألفة والمحبة ويمنع من العشرة بالمعروف لأنها تحس وكأنها مظلومة والأفضل والأكمل أن الرجل إذا عتب على امرأته شيئاً أن يتلطف في بيان خطئها . كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يعلم متى تكون أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- راضية عنه ومتى تكون ساخطة فإن كانت راضية عنه قالت ورب محمد ، وان كانت في نفسها شيئاً قالت-رضي الله عنها- ورب إبراهيم ، فعلم-عليه الصلاة والسلام- أنها ما اختارت الحلف برب إبراهيم هي تحلف برب محمد ورب إبراهيم . الذي تحلف به واحداً لكنها تريد أن تبين له أن في نفسها شيئاً وهذا من أكمل الأدب ولا تفعله إلا الحرة الكريمة أنها لا تبادر زوجها بالأخطاء والتعنيف ، ولكن تصبر وتتذمم ، وما صبرت امرأة ولا تذممت إلا وفقها الله وأحسن العاقبة لها ، ولا صبر رجل آذته امرأة فحفظ لسانه عن أن يقابل أذيتها بالأذية وحفظ لسانه عن أن يسمعها ما تكره إلا أحسن الله له العاقبة في الدنيا والآخرة . ذكروا عن رجل من أهل العلم أنه دخل عليه أحد طلابه فوجد عنده ولده يخدمه ويبره فعجب من برور الابن بأبيه فلما خرج الابن قال هذا العالم للتلميذ : أتعجب من بره ! قال : نعم ، وحكى له شدة إعجابه ببر الابن فقال له : لقد عاشرت أمه أكثر من عشرين سنة ، والله ما تبسمت في وجهي يوماً قط فصبرت فعوضني الله ما ترى . فالرجل إذا أساءت إليه المرأة وأخذ يقابل الإساءة بالسب والشتم واللعن احتقرته المرأة وازدرته وحينئذ لا تحفظ ولا تذكر إذا غاب عنها لا تذكر وده ولطفه ، ولذلك يقولون : إن الإنسان أحدوثة بعد موته فليختر لنفسه أطيب الحديث . يعني كل من عاشرك سيتحدث عنك بعد موتك فأنت أحدوثة بما يكون منك من كلمات وما يكون منك من أفعال وأفضل ما يكون وأكمل ما يكون الرجل ويظهر على الكمال في حالة الغضب وسورة الغضب وشدته حينما يملك نفسه فلا يقول إلا خيراً . فرحم الله زوجاً لم يسمع زوجته ما تكره فالعشرة بالمعروف بالقول من الأمور المهمة لصلاح بيوت المسلمين والله يعظم للعبد أجره على قدر صبره ، وفضل الله الرجال على النساء وجعل فيهم من الصبر والحكمة ما لم يجعله لغيرهم ، ولذلك ينبغي على الرجل أن يتجمل وأن يتصبر مهما سمع من المرأة ومهما رأى ، وكذلك المرأة الصالحة تصبر ومهما سمعت من الكلمات الجارحة والعبارات القاسية فإن الله سيجعلها رفعة لدرجاتها ومضاعفة لحسناتها وتكفيراً لخطيئاتها والله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن ابتلاء الله المرأة أن يبتليها بزوج يؤذيها فتسمع ما تكره فالمقصود أن العشرة بالمعروف تقوم على ثلاثة أمور منها هذان الأمران ( النية الصالحة - القول الحسن ) . كذلك أيضاً من العشرة بالمعروف المعاملة الصالحة المبنية على حسن التبعل وحسن الذمة والوفاء من الزوج لزوجته ومن الزوجة لزوجها لا تستقيم بيوت المسلمين إلا بالأعمال الصالحة وبالعشرة الطيبة التي تنبئ عن طيب معدن الإنسان وكرم خلقه وفضله ، ولقد شهد رسول الأمة- صلى الله عليه وسلم - أن أفضل الناس وخيرالناس من طاب لأهله وفضل بأعماله وأخلاقه وشمائله الكريمة . فالرجل لا يكفي فيه القول مالم يحقق القول بالعمل فإذا أراد الله أن يكمل على العبد نعمته وأن يجمله في نعمه ومننه جمله بحسن الخلق فمن أهم ما يعتني به من التزم دين الله واهتدى على صراط الله بعد طاعة الله- تعالى - أن يحرص على الأخلاق الكريمة وعلى الآداب الإسلامية التي يعظم الله بها الأجر ، قال- صلى الله عليه وسلم - : (( ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطؤن أكنافا الذين يألفون ويؤلفون )). وأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم - لما سأله الصحابة وقلوبهم في شوق وحنين لمعرفة السبب الذي يدخل العبد الجنة ويدخل أمة الله الجنة . قيل - يا رسول الله - ما أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال- صلى الله عليه وسلم - : (( تقوى الله وحسن الخلق )) . فالأعمال والأفعال مطلوبة للمعاشرة بالمعروف وخير الناس ومن أفضل الناس من حسن خلقه وكمل خلقه ، ولذلك قال النبي- صلى الله عليه وسلم - : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً )) . وجعل- صلى الله عليه وسلم - أحق الناس بحسن الخلق الأهل وأقرب الناس من الإنسان ، ولذلك أمر ببر الوالدين للقرب . قال - يا رسول الله- : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : (( أمك )) ، قال : ثم من ؟ . قال : (( أمك )) ، قال ثم من ، قال أمك ، قال ثم من قال أبوك ) . فجعل للأقربين الحظ الأوفر والنصيب الأكمل في حسن الخلق والرجل الكامل في خلقه الذي جمّل الله أخلاقه وحسنها أول ما يبحث عنه في حسن الخلق في معاشرته لأهله ، ولذلك قد يكون الرجل أمام الناس لطيفاً رقيقاً ، ولكنه إذا دخل إلى بيت الزوجية-والعياذ بالله- كشر عن أنيابه وساءة خلقه ، فهذا من شرار خلق الله ، ولو كان أمام الناس لطيفاً فإنه ربما كان لطفه أمام الناس نفاقاً ورياءاً ؛ ولكن أمام المرأة الضعيفة وأمام أولاده الذين هم تحت قوته وقهره وقسره حينما يكون وديعاً لطيفاً رحيماً رفيقاً ، كان ذلك من أصدق الشواهد على أنه صادق في حسن الخلق ، ولذلك ينبغي على الإنسان إذا أراد أن يحسن الخلق أن يبدأ أول ما يبدأ بأهله . كان- صلى الله عليه وسلم - يقود الأمة ويقف على منبره يحل حلال الله ويحرم حرام الله ويبين شرع الله ويهدي إلى صراط الله ويقود الجيوش لرفع دين الله وإعزاز كلمة الله فإذا دخل إلى بيته دخل بالحنان والرحمة والرفق واللطف ، فكان- صلى الله عليه وسلم - خير الناس لأهله ، كان- صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بين أهله أول ما يبدأ به السواك حتى لا تشم منه رائحة نتنة ، وهذا يدل على أنه ينبغي على الزوج من خلال معاشرته بالمعروف أن يراقب هيئته وشكله. كان ابن عباس-رضي الله عنهما- يدني المكحلة ويكتحل أمام المرآة ويقول إني أحب أن أتجمل لأهلي كما أحب من أهلي أن يتجملوا لي ، هذا كمال في الإسلام إذا خرج الرجل من خارج بيته كانت له شئون وكمالات في معاملته مع الناس ، وإذا دخل إلى أهله وزوجه عامل كلاً بما يليق . فكان إذا دخل-عليه الصلاة والسلام- ابتدأ بالسواك وكان يكره أن تشم منه رائحة غير طيبة ، وكان- صلى الله عليه وسلم - إذا دخل مع أهله لا طف وأحسن الحديث وأحسن القول وأحسن العمل . تقول أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- لما سئلت ما حال النبي- صلى الله عليه وسلم - في بيته قالت : كان يكون في خدمة أهله كان- صلى الله عليه وسلم - ربما رقع ثوبه- صلى الله عليه وسلم - لا يحس في ذلك بغضاضة ولا نقص ولكنها رفعة وكمال فهو أكمل الخلق وأشرفهم وأعظمهم منزلة عند الله- تعالى - وقدراً . فالدخول إلى الأهل يكون بالتواضع وبتوطئة الكنف : (( ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافا )) . وأحق من يوطأ له الكنف الزوجة ، وإذا دخل- صلى الله عليه وسلم - إلى أهله حرص على إدخال السرور على الزوجة حتى كان لو أراد أن يخرج لا يخرج إلا وقد ترك أثراً يشعر المرأة بالمحبة وحفظ العهد والرباط الذي بينه وبينها فكان يقبل نساءه قبل أن يخرج- صلى الله عليه وسلم - . ما يقبل لقضية الشهوة . فكان إذا أذن المؤذن شغل- صلى الله عليه وسلم - ؛ ولكن يقبل للحنان والرحمة ويشعر المرأة أن لها مكاناً في قلبه وأن لها مكانا في وجدانه ، ولذلك حري بالمسلم الموفق إذا أراد أن يمتثل شرع الله في المعاشرة بالمعروف أن يحرص على المعاملة الكريمة ، ثم كان- صلى الله عليه وسلم - إذا جلس مع أهله حرص على إدخال السرور فكانت مواقف أومواطن الحزن للحزن ومواطن الفرح للفرح ومواطن السرور للسرور ، وكان لا يقول إلا حقاً بأبي وأمي- صلى الله عليه وسلم - . حدَّث أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- بحديث أم زرع وهو الحديث الطويل الذي رواه الإمام مسلم في صحيحة وشرحه بعض الأئمة في مجلد لاشتماله على حكم ومعان جليلة ثم ذكر لها حال أبى زرع مع أم زرع ثم قال لها- صلى الله عليه وسلم - كنت لك كأبي زرع لأم زرع كنت لك في الكمال وحسن العشرة والإلفة كأبي زرع لأم زرع . كان- صلى الله عليه وسلم - في وقت الفرح والمباسطة يدخل السرور والمباسطة على الأهل ثبت عنه- صلى الله عليه وسلم - أنه لما كان يوم العيد وجاء الحبشة ولعبوا بالحراب في داخل المسجد ، والله كمال لهذه الشريعة وسمو في منهجها فهذا يوم العيد يوم الفرح والسرور والنفوس تحتاج أن يدخل عليها الإنسان شيئاً من الدعة والألف حتى يذهب عنها ما تجده من السآمة والملل . فلما كان يوم العيد دخل الحبشة ولعبوا بالحراب داخل مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، فانظر هذا البيت الذي هو ثاني بيت من بيوت الله- تعالى - فضلاً مسجد الرسول- صلى الله عليه وسلم - إذا به يتخذ مكاناً للعب بالسلاح في يوم العيد لأنه يوم فرح فلما دخل عمر- رضي الله عنه - وأراد أن يحصبهم- رضي الله عنه - ؛ لأنه رأى بيت الله ومسجد الله وهؤلاء يعبثون به بالسلاح فأراد أن يحصبهم ، فقال : "يا عمر دعهم يا عمر فإنه يوم عيدنا " . دين كمال يعطي كل شيء حقه وحظه فلذلك لما كان هذا اليوم أرادت أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- أن تدخل على نفسها السرور فاختارت أن تنظر لهؤلاء الحبشة وهم يعبثون بالسلاح فسألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ذلك . فانظروا امرأة تقول اقدروا قدر الصبية الجهلاء لأنها كانت في سن صغيرة تطلب هذا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - هل قال لها أنت ناقصة عقل أنت تضيعين الوقت ، أمامنا الجنة أمامنا الآخرة . شغلها إلى الدنيا الوقت وقت للدنيا ووقت للاستجمام فما كان منه بأبي وأمي- صلى الله عليه وسلم - إلا أن وقف على رجليه الشريفتين- صلى الله عليه وسلم - من أجل أن تنظر إلى الحبشة لا من أجل النظر ولكن لعلمه- صلى الله عليه وسلم - أن هذا الوقوف يرضي الله فأرضى الله بوقوفه وقف وهو سيد الأمة واكمل الأمة بأبي وأمي- صلى الله عليه وسلم - فما شعر بالغضاضة ولا شعر بالنقص لأنه يحس أنه يدخل الإلف والمحبة والسرور على أهله وأنه يترجم بهذا الوقوف عن المحبة الصادقة والزوجية الكاملة ، ولذلك كان خير زوج لزوجه- صلى الله عليه وسلم - ففي هذا أكمل الهدى وأفضله لمن أراد أن يعاشر بالمعروف . كانت تصنع له الطعام والشراب فكان إذا جمعه مع أهله وحبه وزوجه السقف الواحد لا يسمعها كلمة تكره تأتيه بالطعام إن وجده خيراً حمده وأثني وشكر بعد شكر الله من صنعه ، وإن وجد فيه النقص ماذمه ولا عابه ولا ذم التي صنعت وفعلت بأبي وأمي-صلوات الله وسلامه عليه- . فالعشرة بالمعروف تحتاج إلى شيء من التضحية وتحتاج إلى شيء من الصدق في المحبة ومبادلة المشاعر التي تنبيء عن الكمال في الزوجية والإلفة ، ولذلك كان هديه- صلى الله عليه وسلم - أكمل الهدي . ثبت في الحديث الصحيح عنه-عليه الصلاة والسلام- عن أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- أنها قالت : كان يؤتى إليه بالشراب تأتيه- صلى الله عليه وسلم - بالمرق أو باللبن تقول-رضي الله عنها- وهو الذي طلب وسأل تقول-رضي الله عنها- فيقسم علي أن أشرب قبله ، يقسم على أن اشرب قبله لأنها ماكانت لترضى لأنها كريمة بنت كريم فما كانت ترضى أن تتقدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فحفظت حقه فإذا أذنته بالشراب قال لها أشربي فأبت فإذا أبت حلف عليها قالت يقسم علي فتأخذ الشراب فتشرب فيضع فمه حيث وضعت فمها-صلوات الله وسلامه عليه- . هل هو يريد وضع شربها لا والله ؛ ولكنه يريد أن يشعرها بالمكانة ، يشعرها بالمحبة يشعرها بالمودة ؛ لأنه كما يتقرب لربه ساجداً وراكعاً يتقرب إلى الله بجبر قلبها وإدخال السرور عليها ويتقربإلى الله بحسن مباسطتها وبالتشريع للأمة بالكمالات وبأحسن المعاملات التي تكون بين الأهلين والزوجات . فهذه كلها شئون ينبغي للمسلم أن يجعلها نصب عينيه وعلى هذا فقد تحتاج المرأة أحياناً إلى إدخال السرور عليها في داخل البيت فيترسم المسلم هدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم - .تحتاج إلى إدخال السرور عليها خارج البيت فيدخل السرور عليها يخرج معها بأبي وأمي- صلى الله عليه وسلم - إلى قباء فيسابقها ، يسابقها هي تجري وهو يجري نبي الأمة-صلوات الله وسلامه عليه- ، ومع ذلك يسبقها-عليه الصلاة والسلام- حتى لما بدن-عليه الصلاة والسلام- سبقته فقال لها هذه بتلك وكل ذلك ملاطفة واحسان في العشرة والله ما نظرت إلى هدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وتأملته وأحسنت النظر فيه إلا وجدت المعاشرة بالمعروف في أكمل حللها وأجمل صورها حيث كان- صلى الله عليه وسلم - أكمل الأمة في حسن معاشرته لأهله ، فلا تستقيم بيوت المسلمين إلا بمثل هذه المشاعر الرقيقة ، ولذلك انظر إلى الزوج الذي يعامل زوجته بمثل هذه الأحاسيس وبمثل هذه المشاعر الصادقة كيف أن الله- تعالى - ، يبارك له في أهله ويبارك له في زوجه ، فيعيش تلك الحياة السعيدة المطمئنة ؛ لأن من اتقى الله وامتثل أمره فعاشر أهله بالمعروف وكل من اتقت الله فعاشرت بعلها بالمعروف جعل الله عاقبة ذلك الحياة الطيبة وحسن العشرة لهما فلا يسمعان ولا يريان إلا ما يسرهما لا ما يسوؤهما ، فعلى المسلم أن يمتثل كتاب الله وسنة النبي- صلى الله عليه وسلم - في تأدية تحقيق هذا الواجب العظيم . وهنا أمر ينبغي التنبيه عليه وهي مسألة عدم المقابلة والمكافأة في العشرة بالمعروف من أصعب ما يكون على الزوج أن يبادل زوجه الحنان والرحمة والإحسان فتقابله بالإساءة والأذية والامتهان والعصيان ومن أصعب ما يكون أن تقابل المرأة زوجها بالمشاعر الكريمة والأحاسيس الطيبة والأخلاق الحسنة فإذا بها تقابل بالمشاعر المؤلمة القاسية الجارحة التي تسيء إليها كثيراً فما هو الواجب على المسلم وما هو الواجب على المسلمة ؟ يقول بعض العلماء : أكمل ما يكون الأجر وأعظم ما يكون الثواب في حسن المعاشرة بالمعروف بل وأصدق ما يكون الزوج معاشراً لأهله بالمعروف إذا قوبل بالإساءة وأكمل ما تكون المعاشرة من المرأة لزوجها بالمعروف إذا قوبلت بالإساءة ، ولذلك قال - يا رسول الله - إن لي رحماً أصلهم ويقطعونني وأعطيهم ويحرمونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي فقال : (( إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل )) . أي أنت الرابح وأنت الذي في غنيمة ، فالله - تعالى - لا يضيع أجر من أحسن عملاً . يا أيها الزوج ويا أيتها الزوجة إن أحسنت في معاشرتك فأنت تنتظر من الله حسن الثواب وحسن العاقبة والمآب ولاتنتظر من هذه المخلوقة شيئا انتظر من الله وهذا أمر ينبغي لكل مسلم يريد أن يكسب الخلق الحسن ألا ينتظر من الآخر شيئاً من أراد أن يحسن خلقه وأن يكمل خلقه فأن يجعل نصب عينه الله- تعالى - ويمتثل شرع الله لله لا من أجل أن يقابل معروفه بالمعروف وإحسانه بالإحسان لا ؛ وإنما من أجل أن يقابل بالشكر من الله فوق سبع سماوات ومن أجل أن تخط الكلمات والأخلاق الطيبة والمعاشرة الطيبة في صحيفة عمله فيراها نصب عينيه في يومٍ يبعثر فيه ما في القبور ويُحصل فيه ما في الصدور ،
فإذا عمل الإنسان وكانت أخلاقه طيبة وكان زوجاً كريماً ووجد المرأة لئيمة وتؤذيه فليصبر فلعل الله أن يعوضه خيراً . قال بعض العلماء في قوله-تعالى- : { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } لما ابتلي زكريا بحرمان الولد صدع إلى الله بدعواته كما ذكر الله- تعالى - : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا @ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا @ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً @ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً } . ناداه وعمره مائة وعشرون عاماً ما قنط من رحمة الله- تعالى - فناداه في آخر عمره أن يرزقه الله الولد فمن كرم الله - تعالى - أن الله أعطاه حاجته وزاده وهذا دائماً كل من دعا الله بيقين خاصة في الكربات والشدائد إن الله لا يعطيه حاجته فقط بل يعطيه حاجته وزيادة ، ولذلك قال-تعالى- : { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } أعطاه الولد وهبه يحيى وأصلح له زوجه . قال بعض العلماء في هذا : { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } كانت زوجته تسبه وتؤذيه ، كانت سيئة غليظه عليه فصبر عليها إلى آخر عمره فعوضه الله الولد وحسن الاستقامة من الزوجة وحسن المعاشرة منها . فالغالب يذكر بعض مشايخنا-رحمة الله عليهم- يقول : قل أن يؤذي رجل بزوجته في أول حياته إلا عوضه الله صلاحها في آخر عمره حتى ذكروا عن بعض الناس أنه ابتلى بزوجة آذته وأضرت به في أول حياته وشاء الله- تعالى - أنه ابتلي بالمرض في آخر عمره فعطف الله قلبها عليه في آخر العمر وأصبحت تحن إليه حناناً شديداً وأصبحت تقوم على شأنه حتى تخلى عنه أولاده وإخوانه وعشيرته وقرابته وما بقى معه إلا امرأته وهذا من الله- تعالى - ؛ لأن الله-سبحانه وتعالى - يكافأ العبد على صبره فإذا عاشر الرجل إمرأته بالمعروف فوجد خيراً فليحمد الله وإذا وجد غير ذلك فليصبر فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، وكذلك المرأة الصالحة لا تنتظر من بعلها إذا عاشرت بالمعروف أن يرد لها معروفها ولكن تنتظر من الله- تعالى - أن يعوض صبرها وأن يجبر كسرها وعليها إذا رأت الخير من زوجها أن تحمد وإن رأت غير ذلك فلتصبر فإن الله سيعوضها في دينها ودنياها وآخرتها. 2 - حق المبيت والقسم : الحق الأخير حق المبيت والمراد بحق المبيت : اعفاف الرجل لامرأته واعفاف المرأة لزوجها وهذا الحق ينبغي أن يحفظه كل من الزوجين للآخر وقال بعض العلماء : إن المقصود من النكاح إعفاف الرجل نفسه وإعفاف المرأة نفسها ، ولذلك قال النبي- صلى الله عليه وسلم - : (( من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج )) فلا يغض البصر عن حرمات الله ولا يحصن عن حدود الله ومحارم الله إلا إذا أحسنت المرأة التبعل لزوجها والعكس ، حفظ الزوج زوجته وتقرب إلى الله بحفظها عن الحرام ، ومن هنا قال- صلى الله عليه وسلم - : (( وفي بضع أحدكم صدقة )) قالوا : - يا رسول الله - أيأتي أحدنا شهوته ويكون له بها أجر ؟ قال : (( أرأيت لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر ! )) شكر الله من الزوج فكتب له ثواب ما يلقي من النطفة لأن هذه النطفة وهذا الإحسان إلى الزوجة باعفافها عن الحرام يصونها عن حدود الله ويحفظها عن محارم الله ويقيمها على صراط الله ، فالواجب على الزوج أن يعين زوجته على ذلك والواجب على الزوجة أن تُعين زوجها على ذلك بتهيئة الأسباب فالمرأة تتجمل وتتكامل لزوجها حتى تغضه وتعفه ، كذلك الرجل يتجمل ويتزين لأمرته حتى يعفها ، ولذلك قال- صلى الله عليه وسلم - : (( صدق سلمان )) أي إن لزوجك عليك حقاً ؛ لأنه لما رأى أم الدرداء غير متجملة متبذلة في ثيابها سألها عن ذلك فأخبرته أن أبا الدرداء لا حاجة له بها فلما أتي أبو الدرداء وعظه وقال له : إن لنفسك عليك حقاً ولزوجك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حقٍ حقه . دين عليك لامرأتك فجاء أبو الدرداء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال : (( صدق سلمان )) صدق أي أن لنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فهذا كله دار حينما رأى سلمان المرأة متبذلة في ثيابها فعلم أنها لا تستطيع أن تقوم بحق زوجها وعلم أن وراء ذلك سراً فاستكشف وسأل حتى يعلم ما بأخيه ، فلما رأى التقصير وعظ أخاه وذكره وبين له أن هذا حق واجب عليك . ولذلك كما يتقرب العبد لربه بالركوع والسجود يتقرب باعفاف نفسه عن الحرام . فالله يطاع بأمرين بفعل أوامره وترك نواهيه ، ومن أعظم المزالق والهوى زلة الزنا-والعياذ بالله- فاحشة ومقت وساء سبيلاً تنتهك به أعراض المسلمين وتختلط به أنسابهم ويكون منه من الشر ما الله به عليم ، تأذن الله بالفقر لصاحبه وبالأذية وبالسقم والمرض وما يكون من شرور العواقب ، فمن الذي يحفظ بعد الله إلا المرأة الصالحة والرجل الصالح الذي يحفظ زوجته خاصة في زمان مليء بالفتن . تهيء المرأة من نفسها الأسباب للتجمل والكمال حتى يرى الرجل في زوجته الكمال فيحفظ نفسه عن غيرها . كذلك أيضاً الرجل يهيئ من نفسه حفظ زوجته فلا يسهر كثيراً خارج البيت ولا يأتي في ساعات تعبه ونصبه خاملاً كسلاناً لكي يضيع حق أهله ويحرمهم الحنان ويحرمهم الإعفاف والإحصان عن ما حرم الله- تعالى - عليهم ، فلذلك ينبغي على كلا الزوجين لتحقيق هذا الحق أن يهيئ الأسباب ويكون الرجل حافظاً لوقته مرتباً لأوقاته فساعات الأهل للأهل وساعات العمل للعمل ولكل ذي حقٍ حقه ، ولذلك يوصي العلماء دائماً بترتيب الأوقات ومن أعظم المصائب التي بليت بها الأمة خاصة في هذا الزمان كثرة السهر هذا السهر دمر بيوت المسلمين وأضاع حقوق الأزواج والزوجات والأولاد الأبناء والبنات بل كثير من مشاكل الطلاق تنشأ من السهر لأن الرجل ضيع حق زوجته وحق ولده ، ولذلك لو أن الناس حفظوا أوقاتهم خاصة بعد العشاء وحرص الإنسان على ترتيب وقته في إدخال السرور على أهله ؛ لأن الله جعل الليل سكناً ، { فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً } هذه سنة الله وفطرة الله . فجعل الله للمرأة حقاً في زوجها وكذلك جعل للرجل حقاً في امرأته . قال العلماء : يجب على الرجل أن يصيب امرأته ، واختلفوا في الأمد ، قال بعض العلماء : يجب عليه أن يصيبها كل أربع ليال مرة ؛ لأن الله أعطى الرجل أربع زوجات ونصيبها عند التعدد أن يكون لها ليلة من الأربع ، ولذلك قالوا : يصبها في أربع ، ولذلك لما جاءت المرأة إلى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - قالت له : - يا أمير المؤمنين - زوجي يصوم النهار ويقوم الليل ، فقال لها بارك الله لك في بعلك أثنى على بعلها خيراً فمضت ثم رجعت فقالت يا أمير المؤمنين زوجي يصوم النهار ويقوم الليل فقال لها : من زوجك ؟ قالت : فلان ، قال : جزاك الله خيراً أعلمتينا خيراً أو عرفتينا فضله ، فمضت ثم رجعت فقالت : - يا أمير المؤمنين - زوجي يصوم النهار ويقوم الليل ، وهذا يدل على كمال السلف الصالح والأدب والحياء والخجل ما أجمل النساء إذا حفظن الحياء والخجل تكمل المرأة ، ولذلك يقول العلماء : إن الحياء كالغطاء للحلوى فإذا تكشفت سقط عليها الذباب كذلك المرأة ، إذا لبست الحياء كملت وأصبحت سراً ثميناً ودرة مصونة فاستحت أن تباشر ثم استحت أن تؤذي زوجها بذكره مباشرة أنه يسيء إليها ، قال بعض العلماء : إما إنها حييه والحياء خير ، وإما أنها كريمة لا تريد أن تنتقص زوجها عند عمر . فالمهم أنه قال كعب- رضي الله عنه - يا أمير المؤمنين إن الزوجة تشتكي زوجها فقال- رضي الله عنه وأرضاه- ولا تظنون أن عمر كان غافلاً ، إنما كان عمر ذكيا ًفطناً وإنما أراد أنه يصبر المرأة ويصرفها وهذا دأب عمر أنه دائماً يدرأ بالشبهات حتى أنه لما جاء يشتكي الزقام من الحطيئة دائماً يوري ويبعد الناس عن المشاكل لأنه كلما كان الناس يصطلحون فيما بينهم كلما كان ذلك أفضل ولا يلجئهم دائماً إلى الشكوى والفصل بينهم وهذا المنهج معروف في تدبير الناس ، المقصود قال لكعب أما و أنك قد فطنت لهما فلا يقضي بينهما إلا أنت فجيء بالرجل فقالت المرأة : ألهى خليلي عن فراشي مسجده وليله نهاره ما يرقده ولست في أمر النساء أحمده ما قالت زوجي يفعل أو زوجي الظالم ، أو زوجي كذا ، أين نساء اليوم ؟ وأين ما يسمع من الشكاوى أمام القضاة من السب والشتم والمرأة بمجرد أن ترى الإساءة أقامت الدنيا وأقعدتها ، فما بقيت معيبة ولا منقصه إلاذكرتها في بعلها، رحم الله الصالحات الصلاح إذا دخل في المرأة رأيت خيراً وسمعت خيراً فهذا من صلاح الرعيل الأول ، ولذلك زكى النبي- صلى الله عليه وسلم - القرن الأول : (( خير القرون قرني )) أي والله خير قرن نساءاً ورجالاً شباباً وشيباً وأطفالاً جعل الله فيه الخير . فانظر كيف أن المرأة ما تبادر حتى بالإساءة فما قالت زوجي يفعل كذا ؛ وإنما قالت ألهي خليلي عن فراشي مسجده وذكرت محاسنه وذكرت فضائله ليله نهاره ما يرقده ولست في أمر النساء أحمده ، حتى لما يقال لست أحمده في أمر النساء قد يكون هذا نقص في الكمال ولا يقتضي طعنا فقال زوجها . زهدني في فرشها ما قد نزل في سورة النحل وفي السبع الطول إني أمرؤ قد رابني وجل أي رابني الخوف من الله وذكرت الآخرة وقرأت كتاب الله فأقامني على الآخرة حتى كأني أراها رأي عيان فزهدتني النار وما فيها من الأغلال وزهدتني الجنة وما فيها من النعيم في هذا المتاع الزائل ، والنعيم الحائل ، فقال - رضي الله عنه وأرضاه- . إن لها عليك حقاً يا رجل تصيبها في أربع لمن عقل فالزم بذا ودع عنك العلل لابد من يوم في أربع لا نقبل عذراً و ليس من حقك إن لها عليك حقاً يا رجل تصيبها في أربع لمن عقل كن عاقلاً لبيباً ، هذه امرأة أمانة في عنقك حق واجب عليك ، ولذلك قال أنه يصيبها في كل أربع ليال مرة ؛ لأن الله جعل للحر أربع زوجات فيكون نصيب الواحدة نصيبه من الأربع ليلة من بين أربع ليال ، وقال بعض العلماء : لا يجب على الرجل أن يصيب امرأته ويترك هذا إلى نشاطه وقوته وإنما يتقيد بالأربعة الأشهر ، فإذا مضت الأربعة الأشهر يكون آثماً وظالماً لأنها مدة الإيلاء . والحقيقة القول الأول قوي أن في كل أربع ليالي مرة لأن هذا له أصل من الشرع ، وتكون مدة الايلاء غاية ما يترك له الرجل في المعاشرة بحيث يجوز للمرأة أن تشتكيه وأن تتظلم خاصة إذا حلف أنه لا يطأ المرأة . وهذا الوطء يترك للإنسان بنشاطه ، كما ذكر العلماء أنه لا يفرض على الرجل أن يبالغ ولكن ذكر أهل العلم أنه إذا وجدت الموانع في المرأة كنقصان الجمال ويكون الرجل مالاً لزوجة أو غير مقبل عليها ، قالوا إنه أفضل ما يكون في حسن الإحسان إلى الزوجة في مثل هذا لأن المرأة إذا كانت ناقصة الجمال كانت إصابته لها أكثر ما تكون لله وخوفاً من الله وحفظاً لحق الله في أمة الله ، فإذا أراها ذلك وحرص على حفظها من الحرام فهذا من أبلغ ما يكون أما إذا كانت ذات جمال فإنه في هذه الحالة يكون فطرياً وشيئا من نفسه . لكن إذا كانت المرأة غير جميلة كان بعض العلماء يقول : إن الإنسان يكرم نفسه ويغالب نفسه حتى يعظم أجره ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - وقال : (( وفي بضع امرأة أحدكم صدقة )) ، فأخبر-عليه الصلاة والسلام- أنها من الصدقة فالمرأة إذا كانت ناقصة الجمال وكان الرجل يرى فيها دمامة خلقة فعليه أن يتذكر ما فيها من الخير والبر ، فالمرأة قد تكون ناقصة الجمال لكنها من الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله وما يدري الرجل لو رزق امرأة كاملة الجمال أو ذات جمال تخونه في فراشه أو تضيع له عرضه-والعياذ بالله- وتدنسه وقد تكون المرأة الجميلة تنظر إلى زوجها بعين الاحتقار فترى أنها أولى بمن هو أجمل منه ، ولكن المرأة ناقصة الجمال قد يعوضها الله في عقلها ودينها واستقامتها ما تحمد فيه ما فيها. وكم من امرأة دميمة الخلقة ؛ ولكن الله- تعالى - يعوض نقصها بالعقل حتى كانوا يقولون غالباً أن الإنسان ما نقص دمامة في خلقته إلا عوضه الله في غير ذلك عوضه الله في دينه أو عوضه في عقله وحكمته ونظره أو عوضه الله في صحته وعافيته والله- تعالى - عدل ويفعل ما يشاء ويقسم بين عباده وله الحكم ولا معقب لحكمه-سبحانه وتعالى - . فالشاهد أن على الرجل أن يبادر بأداء الحقوق بل كان بعض العلماء يقول حتى لو جاء الإنسان في تعب ونصب يحتسب الأجر عند الله- تعالى - ، فبعض الصالحين يمل من هذه الأمور ولربما يفرض على زوجه أن تكون فقط في الطاعة والدين والعبادة وقد تكون في أمور دينية وتضيع على حسابها حقوق الله- تعالى - ، ومن ذلك تفرغ الداعية لدعوته والعالم لعلمه على حساب أهله وزوجه ، بل ينبغي عليه أن ينظم وقته ويرتب وقته ولا يخرج لدعوه ولا لسفر إلا وقد أعطى أهله حقهم فحفظهم عن الحرام وغلب على ظنه أن غيبته عنهم وذهابه عنهم لا يوقعهم في المحظور حتى يؤدي الحق على أتم الوجوه وأكملها . ويتبع حق القسم يتبع حق المبيت يتبعه أنه إذا كان فرضاً على الزوجين أن يقوما بحق المبيت فلا يجوز للمرأة أن تمتنع من فراش بعلها ولذلك أخبر- صلى الله عليه وسلم - أنه : (( أيما امرأة دعاها زوجها فأبت عليه باتت الملائكة تلعنها- والعياذ بالله - حتى تصبح )) وثبت في الحديث أنه : (( ما من امرأة دعاها زوجها فامتنعت بات الذي في السماء عليها غضباناً حتى تصبح )) ، فلذلك ينبغي على المرأة أن تحفظ هذا الحق وعلى الرجل أيضاً أن يحفظ هذا الحق . وتفرع على هذه المسألة مسألة القسم والعدل بين الزوجات إذا كن أربع وهذا القسم بينته سنة النبي- صلى الله عليه وسلم - نشير إليه اختصاراً أن لكل امرأة ليلة كاملة وعماد القسم على المبيت على الليل ، وأما النهار فإنه يكون تابعاً لليل وكان من هديه- صلى الله عليه وسلم - أنه يزور المرأة في غير يومها فإذا كانت الليلة لواحدة دار على بقية نسائه بعد صلاة العصر كما ذكر بعض العلماء-رحمة الله عليهم- خاصة إذا كانت الزوجة الثانية لها أولاد أو محتاجه لوجوده فيقضي حوائجهم ويتفقد أمورهم وهذا القسم يلزمه ولو كان مريضاً فينتقل في مرضه بين البيوت ، ولذلك كان- صلى الله عليه وسلم - في مرض موته يقول : (( أين أنا غداً أين أنا غداً أين أنا غداً )) واستأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة-رضي الله عنها وأرضاها- فرضين بذلك ، وأذن له-صلوات الله وسلامه عليه- ، فدل على أنه يجب عليه القسم ولو كان مريضاً لكن لو كان مرضه يسقطه ولا يستطيع أن يتنقل بين بيوت الزوجات فهل يمرض عند أحداهن يستأذنهن فإن أذن فبها ونعمت ، وإن لم يأذن أقرع بينهن كالسفر . وإذا أراد الخروج لسفر فإنه في هذه الحالة لا يخلو من حالتين ، إما إن يمكنه أن يخرج بهن (يعني بالزوجات ) فلا إشكال ويكون القسم في السفر كالقسم في الحضر وإما أن لا يمكنه أن يخرج بهن وإنما
يمكنه أن يخرج ببعضهن فإنه يقرع بينهن لما ثبت في الحديث الصحيح عنه- صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد السفر أقرع بين نسائه ثم بعد رجوعه يعود القسم على ما كان عليه أولاً. وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمَْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَميْنَ وصلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارك على عبده ونبيّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .