Feat

Searching...

اللسانيات: مدخــل الاصطــلاحي اللسانيات: مدخــل الاصطــلاحي

فبراير 17, 2012


                                
    اللسانيات:    مدخــل الاصطــلاحي

ـ مقدمة:
          تعتبر اللغة هوية البشر، فقد رافقت الإنسان منذ فجـر التاريخ وتطورت فكره وتجربته. فطبعت مختلفات الحضارات التي شيدها الإنسان بطابعها الخاص. وما تعدد الثقافات واختلافها قديما وحديثا إلا بسبب تعدد اللغات نفسها وتمايزها فيما بينها. فاللغة جسد الفكر وقوام وجوده وبعد ذلك فهي ضرورة من ضرورات الحياة نعيشـها كل يوم، بل كل لحظة ونستنشقها كما نستنشق الهواء . وهي أعظم اكتشاف اكتشفته البشرية لخدمة أغراضها ،  ففتحت للإنسان عالمه المغلق وأوصلت نفسه بنفسه وبغيره من أفراد جماعته بل الشعوب والقبائل كلها. و بـها استـطاع الإنسان أن يبني حضارته وينقش ثقافته على جبين الدهر وينقلهما عبر تتابع الأزمان وتلون المكان فتوارثتها البشرية جيلا بعد جيل.ولأهمية هذه الظاهرة الإنسانية نشأت حولها الدراسـات واهتم بملاحظتها كبار العلـماء والفلاسفة منذ أقدم العــصور وإلى يومنا هذا.
ـ تعريف اللغة :
       اللغةعلى وزن "فعلة" مأخـوذة من لغوت أي تكلمت وأصلها لغوة، ولغات ولغون. وقيل   لغي يلغى إذا هذى وتكلم بكلام لا يعتد به وتقول أيضا: لغا ولغو. ومن معاني (اللغـو) : النُطـق و( اللًغا): الصوت، و(لغوى الطير) أصواتها. وكل من هذه التعريفات لها علاقة بالصوت والنطق. أما اللغة من حيث الاصطلاح فقد عرفها ابن جني بأنها:( أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ) فاللغة هي سلسلة من الأصوات أو الرموز الصوتية الدالة المتواضع عليها عند جماعة لغوية معينة يستعملها أفراد الجماعة كأداة للتبليغ والتواصل.وهذا التعريف يتفق مع كثير من التعريفات الحديثة للغة، بحيث تتضمن العناصر الأساسية للغة البشرية، فهي ذات طبيعة صوتية وظاهرة اجتماعية تختلف من مجتمع لآخر.واللغة أيضا قدرة ذهنية مكتسبة يجسدها نسق من الرموز الاعتباطية المنطوقة يتواصل بها أفــراد مجتمع ما.و هذه القدرة الذهنية تتكون من جملة المعارف اللغوية تخص المعاني والمفردات والأصوات والقواعد تتولد وتنمو في ذهن المتكلم السامع فتمكنه من إنتاج وفهم عددا لانهائيا من الجمل والنصوص. وتستند هذه القدرة إلى استعداد فطري يولد الإنسان به مزودا يساعد الطفل على اكتساب اللسان من البيئة اللغوية التي يعيش فيها بطريقة لاشعورية .
 ـ تعريف اللسان:
اللسان لفظ من لسِن لسَنا فهو لسِنٌ ورد في التراث لفظ " اللسان " مقابلا  لفظ " اللغة" بل كان الأكثر شيوعا واستعمالا في كتب الدراسات اللغوية القديمة .بل القرآن الكريم استعمل لفظ اللسان فقال عز من قائل: " ومن آياته خلق السـموات والأرض واختـلاف ألسنتكم وألـوانكم إن في ذلك لآيـات للعالمين." وقال أيضا"لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ"  والمقصود هنا اللغة العربية التي ألف العرب التحدث بها  وقال الشاعر الحكيم زهير بن أبي سلمى:
وكائن ترى من صامت لك معجب        زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده         فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

ومن الكتب العربية القديمة التي استعملت لفظ " اللغة" مقابلة للسان صاحب المحكم ابن سيده " وكذلك ورد لفظ اللغة العربية أي اللسان العربي،في التهذيب للأزهري"ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة"وفي العصر الحديث يختلف العلماء والباحثون في مجال الدراسات اللغوية في الوطن العربي في استعمالهم المصطلحين أي "اللـغة" و"اللـسان" ويعود ذلك الاختلاف لاختلاف ترجمة المصـطلح الأجنبي . وقد عرف أندري مارتيني (André Martinet) اللسان بقوله :" إن اللسان هو أداة تبليغ وعليها يعتمد في تحليل الخبرة الإنسانية التي تختلف من جماعة إلى أخرى، بحيث ينتهي التحليل إلى وحدات ذات مضمون معنوي وصوت ملفوظ وهي العناصر الدالة على معنى monèmes.ويتقطع هذا الصوت الملفوظ بدوره إلى وحدات مميزة ومتعاقبة ، وهي العناصر الصوتية أو الوظيفية phonèmes ويكون عددها محدودا في كل لسان وتختلف هي أيضا من حيث ماهيتها والنسب القائمة بينها باختلاف الألسنة" .

ـ تعريف اللسانيات:
    يرجع مصطلح ( Linguistique)إلى الكلمة اللاتينية (Lingua) بمعنى اللغة أو اللسان.وظهر لفظ ( Linguistik) كعلم موضوعي للسان البشري أول ما ظهر في ألمانيا ،ثم استعمل في فرنسا سنة 1826 وفي انكلترا ابتداء من 1855 . وتعد سنة 1816 - عند كثير من مؤرخي اللسانيات الأوربيين- لحظة ميلاد اللسانياتلصدور أول كتاب تحلل فيه لأول مرة في التاريخ عدة لغات من الوجهة التاريخية وعلى أساس المقارنة العلمية لغرض علمي بحت، يتجنب فيه فرض الحدود والمعايير والتأمل الفلسفي والتحليل الأرسطي وصاحب هذا الكتاب اللساني الألماني الشهير فرانتس بوب(Franz.Boop).وقد عرف مصطلح(Linguistique) عدة تسميات في اللغة العربية ظهرت في العصر الحديث في عناوين المقالات والبحوث العلمية، مثل مصطلح :علم اللغة، اللغويات، فقه اللغة، الألسنية، علم اللسان، علم اللسانيات….. وفي سنة 1978 نظمت الجامعة التونسية ندوة تحت عنوان " الألسنية واللغة العربية " وأجمع المشاركون في أشغال الندوة على أن أيسر المصطلحات المتداولة في البلدان العربية وأقربها إلى روح اللغة العربية مصطلح "اللسانيات" وهو المصطلح الذي وضعه الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح وسمي به معهد متخصص بالجزائر وأصدرت به أيضا مجلة متخصصة في علوم اللسان ونقول علم اللسان أواللسانيات على قياس الرياضيات ولا نقول علم اللسانيات لأن اللاحقة "ات" تقابل اللاحقة"ique".

ـ تحديد موضوع الدراسة في اللسانيات :
   تكون علوم اللغة مجموعة من الحقول المعرفية التي تجعل من اللغة هدفا من دراستها . وتعتبر اللسانيات علما رائدا بالنسبة لكثير من العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع وعلم النفس والعلوم الاقتصادية وعلوم الاتصال وغيرها. واللسانيات هي الدراسة العلمية للغة والألسنة البشرية ، وهي تهتم باللسان باعتباره نشاطا حيويا هاما وخاصية إنسانية فريدة وفهم آلية نشاطه وطبيعة وظيفته تساعدنا في رفع الكثير من الغموض واللبس عن كثير من الوظائف الحيوية للكائن البشري. كما تبحث اللسانيات في الخصائص الذاتية المميزة للألسنة البشرية ،ولماذا تعمل اللغة بهذه الطريقة الخاصة بها ؟ وتبحث في آليات و كيفيات  تطورها ، وما هي نقاط التقاطع بين مختلف الألسنة البشرية ؟ وتبحث أيضا في سر اختلاف الألسنة البشرية. ووصف وتحديد  مصادر هذا الاختلاف. وهكذا تسعى اللسانيات من


 أجل بناء نظريات عامة لوصف وتفسير الوقائع اللسانية بعيدا عن كل الاعتبارات الخارجة عن
 نطاق اللغة البشرية. واللسانيات علم تجريبي مؤسس على الملاحظة والاختبار ويكون هدفه الأساس تكوين نظام قواعدي موجه إلى تفسير الظاهرة اللغوية بكل أبعادها الفيزولوجية والفيزيائية والنفسية والاجتماعية ….ولذا فاللسانيات مجال بحثي ومعرفي متعدد لم تعد شيئاً واحداً ولا مفهوما واحداً ومذهباً واحداً أو مدرسة واحدة ولا تلتزم بمنهج محدد.
ـ الفيولوجيا ( Philologie):
    كان علماء ومفكرو النهضة الأوربية الحديثة يعتبرون أنفسهم الورثة الشرعيين للحضارتين اليونانية والرومانية. فاتجهوا إلى إحياء اللغتين اليونانية واللاتينية من خلال شرح نصوصهما ونقدها نقدا لغويا. وصار هذا النوع من الدراسة يعرف بـ "الفيلولوجيا" وهو العلم الذي يعنى بدراسة ونقد النصوص القديمة وتحقيقها والتعليق عليها ودراسة كل ما يتعلق بها لغة وأدبا وثقافة لغرض معرفة الحضارات السابقة انطلاقا من الوثائق المكتوبة. فهي علم نقد النصوص القديمة وتحقيقها.
ـ فقه اللغة:  
    مصطلح عربي أصيل استعمل في القرن الخامس الهجري وهو لا يدل عند القدماء ما يدل عليه علم اللسان الحديث والمراد بهذا العلم الدراسة المتعمقة للغة بالمفهوم الضيق أي اللهجات العربية الفصحى فقط ، لا للسان كله وموضوعه البحث عن الفوارق اللغوية الناجمة عن التعارض بين الوضع والاستعمال وما يترتب على ذلك من التفريع الدلالي وتعدد المعاني وتشعبها، فهي دراسة تتعرض للمفردات خاصة من حيث تنوع معانيها؛ إما بتنوع تصورات الأشخاص بصفة عامة وإما بتنوع استعمالها اللهجي أو الاصطلاحي وحتى البلاغي أحيانا؛ ومن هنا ففقه اللغة هو امتداد وفرع للسانيات بالمفهوم الواسع لها.
وتنقسم اللسانيات عادة إلى فرعين كبيرين:
1ـ اللسانيات النظرية( Linguistique théorique) وتسعى إلى بناء وتكوين نظرية عامة لوصف وتفسير اللغة البشرية وتضم علم الصوت وعلم الصرف وعلم النحو وعلم الدلالة وعلم المعاجم. وبدورها تنقسم إلى قسمين:
أ- اللسانيات العامة: وتسعى لتأسيس ووضع نظريات عامة تخص جميع الألسنة البشرية.
       بـ - اللسانيات الخاصة: وتعنى بدراسة لغة واحدة فنقول لسانيات عربية ولسانيات فرنسية…
2ـ اللسانيات التطبيقية (Linguistique appliquée ):هدفهاتطبيق النتائج المتوصل إليها في الدراسة العلمية للغة في ميادين علمية مختلفة وتضم تعليمية اللغات ، وصناعة المعاجم والترجمة، وأمراض الكلام،ومختبرات اللغات، واكتساب اللغة ….
ـ فروع اللسانيات:
     تشمل اللسانيات دراسة كل الظواهر اللغوية وما يتصل بها من ظواهر أخرى تدرسها العلوم المختلفة كعلم النفس وعلم الاجتماع والاتصال والإعلام وغيرها من العلوم التي تتناول ظاهرة اللغة والكلام لدى البشر.
-       اللسانيات الاجتماعية(Sociolinguistique): ويدرس هذا الفرع العلاقة الموجودة بين اللغة محيطها الاجتماعي والثقافي، وينظر في أبعاد هذه العلاقة وأشكالها المختلفة التي تظهر في تعدد المستويات اللغوية في المجتمع الواحد أو تعدد اللغات واللهجات أيضا وتحديد الجماعات التي تستخدمها سواء أكانت هذه الجماعات عرقية أو دينية أو مهنية كما تهتم بقضية تخطيط اللغوي…
-       اللسانيات النفسية(Psycholinguistique): تهتم بدراسة المهارات والعمليات العقلية التي تقوم عليها عمليتا فهم و إنتاج اللغة . ومن أهم الظواهر التي تدرسها اللسانياتالنفسية ، ظاهرة اكتساب اللغة وتعلمها، والصعوبات التي تواجه الصغار والكبار في تعلم اللغة الأم، أمراض الكلام مثل (الحبسة ، صعوبة القراءة تأخر الكلام…)..
-       اللسانيات العصبية ( Neurolinguistique): غايتها وصف وتفسير الأسس العصبية للغة والكلام ومن ثم وصف العمليات المرتبطة باستعمال اللغة والمشكلات التي تواجه مستعمل اللغة ( صغيرا أم كبيرا) والتي تعرف بأمراض الكلام.
-       اللسانيات الأجناسية ( Ethnolinguistique): تدرس الدور الذي تؤديه اللغة في ثقافة المجتمع كما تدرس اللغة في إطار ثقافي اجتماعي كدراسة الطريقة التي يتواصل ويتفاهم بها الناس في مجتمع معين وكيف تؤثر العلاقات الاجتماعية بين الناس على نوع اللغة المستعملة؟