احتفل قرابة المليون ونصف مليون طالب جامعي جزائري، منذ أيام بعيدهم الوطني، في ظروف اختفى فيها الطالب نهائيا عن صنع الحدث، ليس في عالم السياسة، وإنما أيضا في المجالات الاجتماعية والثقافية وحتى الرياضية، ولا نتحدث عن المجال العلمي، الذي صار آخر اهتمامات الطالب الجامعي، فما بالك بالأستاذ الجامعي، وللأسف اندلعت الجامعات والخدمات الجامعية بالعشرات من الفضائح تورّط فيها أساتذة ومديرون، ناهيك عن الفضائح الأخلاقية التي أدخلت بعض الطلبة والطالبات عالم المخدرات والدعارة والفساد بكل أنواعه.
وإذا كان انهيار الجامعة من انهيار الوضع العام، وهو نتيجة حتمية لتخلف البلاد، فإن الجامعة في سبعينات القرن الماضي، كانت حرما حقيقيا، وكان الراحل هواري بومدين يسهر بنفسه على توفير أسباب الراحة والنجاح معا، للطلبة الجامعيين على قلّتهم. والغريب أن السياسة الاشتراكية التي انتهجها هواري بومدين في الجامعات القليلة التي كانت موجودة في الجزائر بتحديد سعر رمزي دون الدينار والنصف للوجبة الغدائية الواحدة، والغرف والنقل المجاني موازاة مع توفير الكفاءات والمراجع والمخابر والتكوين في الخارج، قد تلاشت في شقّها العلمي، واحتفظت بشقها الاجتماعي، وحتى التنظيمات الطلابية الكثيرة المنتشرة في ستين جامعة ومركزا جامعيا صارت كل بياناتها واحتجاجاتها محصورة بين ثالوث الإيواء والإطعام والنقل .
أما عن المستوى التعليمي فالإجماع كامل على أنه بلغ أسوأ درجة من الانهيار، ولم تحافظ إلا القليل من المعاهد على هيبتها، ولحسن الحظ فهي المعاهد العلمية والتكنولوجية والطبية، رغم أن الجامعة في الجزائر أصبحت دولة داخل دولة بستين جامعة وثلاث مئة إقامة جامعية وقرابة المليون ونصف مليون طالب، وهي أرقام لم تعد مبعثاً للفخر، لأن الاهتمام بالعدد أنسى الدولة نهائياً النوعية، بدليل انقطاع جسور التواصل بين المصانع والمزارع الجزائرية والجامعات التي تحّولت إلى مشكلة في حد ذاتها، وكان من المفروض أن تحل هي مشاكل البلاد، وعدد الطلبة الجزائريين في الجزائر، يفوق حتى عدد الطلبة في بلدان تعداد سكانها ضِعف أو ثلاثة أضعاف عدد سكان الجزائر، مثل فرنسا التي بلغ تعداد الطلبة الجامعيين فيها مليونين و 300 ألف طالب، 40 بالمئة منهم من الخارج ومن كل بلدان العالم وليس الأفارقة فقط، مما يعني أن عدد الطلبة الفرنسيين قرابة المليون و 400 ألف طالب.
كما لا يزيد عدد الطلبة المصريين عن مليون و 600 ألف طالب من بينهم قرابة 200 ألف طالب أزهري غالبيتهم من الخارج، ولا يزيد عدد الجامعات المصرية عن 13 جامعة، مع الإشارة إلى أن تعداد سكان مصر قارب التسعين مليون نسمة، بينما رقّت الجزائر مراكز جامعية صغيرة إلى مرتبة الجامعة، والنتيجة احتلال مراكز متدنية في العالم؛ ففي الجزائر العاصمة توجد ثلاث جامعات يتمدرس فيها 120 ألف طالب جامعي، ويفوق عدد الطلبة في جامعتي قسنطينة: منتوري والجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر بعاصمة الشرق، الثمانين ألف طالب وطالبة.
وبلغ عدد الدكاترة بدرجة دكتور أستاذ رقم 12 ألف بمعدل دكتور واحد لأكثر من مئة طالب وطالبة، لكن الملاحظة التي طرحها بعض الأساتذة في تصريح لـ"الشروق اليومي" هو التعدّي غير المفهوم على قانون 1971 في عهد وزير التعليم العالي الراحل محمد الصديق بن يحيى، الذي ينص على منع غير الحاصلين على شهادة البكالوريا، من مواصلة دراسة ما بعد التدرج، والتوقف عند حدود شهادة ليسانس فقط، ولكن القانون تم تغييبه، ويوجد حاليا أكثر من نصف دكاترة الجامعة وحتى الحاصلون على رتبة بروفيسور من دون بكالوريا، رغم أن القانون الذي تم اقتراحُه في عهد الرئيس بومدين كانت له مبرراته بسبب مرور ثماني سنوات فقط عن الاستقلال.
وبسبب نقص الكفاءات في ذلك الوقت، أما أن يجد الطلبة في عام 2013 دكتورا دون الستين من العمر لم يحصل على البكالوريا فذاك ما يُحبط عزيمتهم، ويجعلهم ينظرون إلى الجامعة بنظرة دونية، خاصة إذا علمنا أن الحكاية لم تتوقف عند الدكاترة والأساتذة والبروفيسور، وإنما طالت العمداء أيضا.
وتعتمد الجزائر على النفط فقط في المحافظة على استقرار الجامعة، من خلال صبّ ميزانية ضخمة وتوفير المأكل والمبيت والنقل وبقية الخدمات المعلوماتية بالخصوص بربح السلم الاجتماعي الآني دون التفكير في العلم وفي الأجيال القادمة، وتمكين كل الطلبة بمن فيهم أبناء الأثرياء والوزراء من المنحة الجامعية رغم أنها رمزية، بينما اختارت فرنسا تقديم المنحة لخُمس الطلبة فقط، وهي منحة تتراوح بين 1500 و 4300 أورو شهريا، دون توفير الإقامة، والمأكل والنقل ولا المراجع، بينما تقدم بنوك خاصة في انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية منحة في شبه سلفة لبعض الطلبة، على أن يردّها الطالب عندما يحصل على منصب عمل بعد التخرج فتجعله شبهَ رهينة وحريصاً في نفس الوقت على النجاح والبحث عن أي عمل في أقرب وقت.
أما عن الدكاترة الذين يشترون مختلف الشهادات من المراكز الخاصة فتلك حكاية أخرى، وإذا كانت الجزائر تُعدّ حاليا ستين جامعة في كل الولايات من دون استثناء، و 300 إقامة جامعية فإن الأبحاث العلمية قليلة، والموجود منها غالبيته مطعون في مصداقيته، كما حدث مؤخرا في جامعتي باتنة وقسنطينة، عندما تلقت وزارة التعليم العالي، تقريرا مهينا للجامعة الجزائرية، تحدّث عن سرقة فكرية تورّط فيها بروفيسور ودكتوران في الهندسة المدنية،.
وكشفت الفضيحة المجلة العالمية المختصة الأولى في الهندسة المدنية materials and strutures تأسف فيها رئيسُ تحريرها جاك مارشوند لعالم إيراني يدعى البروفيسور عدلي، بسبب نشر المجلة لرسالة دكتوراه من ثلاثي جزائري من جامعتي قسنطينة وباتنة، حيث اتضح أن البحث العلمي يعود إلى عام 1985 وحصل عبره العالم الإيراني على دكتوراه دولة حول كيفية إنجاز عمارات مضادة للهزات والزلازل، ثم ترجمه الجزائريون وناقشوا عبره رسالة دكتوراه، والأدهى من ذلك أن الجامعة الجزائرية دفعت بالعملة الصعبة لأجل نشر الرسالة في أكثر من عشر صفحات في المجلة المذكورة، ليتم اكتشاف السرقة من طرف خبراء أوروبيين.
أما المصيبة الحقيقية هي أن الجامعة تمنح الترقيات للدكاترة الذين حوّلوا الأنترنت إلى كنز ينهبون منه جهود الآخرين، وهو ما جعل الطلبة يسلكون ذات الطريق، وهم إما ناجحون بهذه الطرق أم راضون بالحياة الاجتماعية الرخيصة ماديا، حيث اعترف مديرو إقامات جامعية، عن وجود طلبة بلغوا مرحلة الكهولة وقاربوا الخمسين عاما ومازالوا يشغلون غرفا في الإقامات الجامعية، بعد فترة دراسة وإعادة إرادية للسنة، والتنقل من شعبة إلى أخرى خلال قرابة 18 سنة من التعليم الأبيض، ومنهم من يتقلد رتبة مناضل في الاتحادات الطلابية الكثيرة، يدافع عن مكاسب التعليم المجاني وخدمات الدينار الرمزي من الإطعام إلى الإيواء إلى النقل إلى بقية خدمات الأنترنت والترفيه، في الوقت الذي عجزت أحسن جامعة في الجزائر عن التخلص من مرتبة فوق ستة آلاف ضمن جامعات المعمورة.