Feat

Searching...

مصر تدخل دوامة ”من يقتل من؟”

أغسطس 24, 2013


تسارعت الأحداث في المشهد المصري مند تنحية محمد مرسي، لتتحول إلى صورة سريالية مأساوية تقاطعت مع ضبابية على الساحة بين فاعلين هما الإخوان المسلمين والمؤسسة العسكرية والأمنية، يتبادلان الاتهامات حول مجريات الأحداث، خاصة بعد قرار إخلاء الساحات التي كان يعتصم بها أنصار الرئيس السابق محمد مرسي، أهمها رابعة العدوية، ووسط التجاذبات الحاصلة بدا واضحا بروز نقاط ظل وتساؤلات تتقاطع حول ما اصطلح عليه سابقا في الجزائر بـ ”من يقتل من؟”.
السؤال الذي ظل ساريا طوال عشرية من الزمن على خلفية الأحداث المأساوية في الجزائر، والذي سوقت له العديد من الدوائر الفرنسية بالخصوص، من بينهم مدير مجلة ”ماريان” فرانسوا جيز, والذي تركز حول التشكيك في مجريات الأحداث في الجزائر والفاعلين الذين يقفون وراء المجازر التي ارتكبت. هذا السؤال يعاد طرحه أو بدأ يطفو من جديد من خلال بوابة المشهد المصري، هذه الأحداث التي تعيشها بلاد الكنانة تتقاطع في عدد من فصولها مع أحداث الجزائر, بداية بالحرب الكلامية والتصعيد اللفظي الذي برز بين مسؤولي جماعة الإخوان المسلمين وقيادات أمنية وعسكرية ممثلة للمؤسسة العسكرية التي يتزعما الفريق عبد الفتاح السيسي، والتي قررت بتحالف مع عدد من القوى الليبرالية وضع حد لحكم الإخوان الذي استمر قرابة سنة من الزمن برئاسة محمد مرسي.
مسلسل المشهد المصري الذي أضحى مختزلا في عرف منظري السياسة وخاصة أصحاب ”نظرية الألعاب” لجون فون نيومان، في معادلة صفرية تقتضي هزيمة طرف على حساب طرف، في غياب أي إمكانية للتسوية، عرف عدة محطات جعلت السجال والاستقطاب السياسي الحاد قائما بين الفاعلين الرئيسيين في الساحة قبل وبعد 30 جوان، أي في أعقاب انتخاب الرئيس مرسي ثم إنهاء حكمه، وكانت أول شراراتها هي التهم المتبادلة بين القوى السياسية حول مساعي التيار الإسلامي ممثلا في حزب الحرية والعدالة ”أخونة الدولة والمؤسسات”، واتهام الإخوان لخصومهم بعرقلة عمل الرئيس والحكومة والضغط عبر الشارع كوسيلة ابتزاز سياسي للحصول على تنازلات لم تطلب قط في زمن نظام مبارك من قبل.
من العنف اللفظي إلى التصفية الجسدية
وانتقل المشهد السياسي المصري سريعا من الحرب الكلامية والانتقادات المتبادلة على خلفية اختطاف الجنود المصريين السبعة في سيناء، في ماي 2013، والخطابات النارية لمحمد مرسي ما بين فيفري وماي، حيث اتهم مرارا دوائر سياسية ومالية نافذة مرتبطة بالنظام السابق بعرقلته في محاربته للفساد والامتيازات، انتقل إلى الصدام المباشر بعد قرار تنحية مرسي من قبل المؤسسة العسكرية والأمنية تلبية لضغط عدد من القوى المعارضة التي شكلت تحالفا موسعا ضد الإخوان. وفي خضم ردود فعل مناصري الرئيس السابق الذين قرروا الاعتصام في عدد من الساحات العمومية، على رأسها رابعة العدوية، وطالبوا بإعادة الشرعية، تشكل البديل السياسي سريعا بمعية الفريق عبد الفتاح السيسي، ولكن بالمقابل، تخطت المواجهة الكلامية التي جسدتها صورة الداعية الدكتور وجدي غنيم باللباس العسكري والتصعيد الذي مارسته المعارضة في الشارع طوال شهر جوان، لتتحول إلى صدام مباشر، ثم إلى قطيعة تجلت في عدد من الأحداث الغامضة التي لم تجد لها أجوبة، وسط تبادل الاتهامات بين الأطراف، وما زادها غموضا أنها تزامنت مع تصريحات أدلى بها قائد الشرطة المصرية، الجنرال عمر، لجريدة ”لوموند” الفرنسية في 18 أوت 2013، حيث أكد: ”نحن 90 مليون مصري وليس هناك سوى 3 ملايين من الإخوان المسلمين، ويكفينا ستة أشهر لتصفيتهم أو اعتقالهم، والأمر لا يعد مشكلة إذ سبق أن قمنا بذلك خلال التسعينات”.
فمن حادثة اغتيال المسؤول السابق عن إدارة التحقيقات بالسجون المصرية، اللواء محمد البطران، إلى مقتل 25 جنديا في سيناء رميا بالرصاص في وضح النهار و37 سجينا من الإخوان خلال ترحيلهم من النيابة إلى سجن أبو زعبل، وقبلها سلسلة الحرائق التي طالت أكثر من 40 كنسية قبطية والاتهامات باستهداف المعتصمين من الإخوان بواسطة قناصة، واعتداء عناصر من الإخوان على أنصار المعارضة، دخلت مصر في دوامة عنف وقتل دون هوية وقطيعة تلاشت معها كل فرص التسوية السريعة لحرب أهلية غير معلنة، وأحداث يصعب تحديد من يقف وراءها ويحرك خيوطها لتعدد اللاعبين في الميدان، وليعود سؤال ”من يقتل من؟” مجددا إلى مسرح الأحداث من البوابة المصرية. فقد ربط خصوم الإخوان مقتل الجنود في سيناء بتحريضات محمد البلتاجي، بينما سارع الناطق باسم الجماعة، أحمد عارف، إلى التأكيد على أن الحادث مفتعل ومدبر للتغطية على مقتل المعتقلين 37 من الإخوان. وبين اتهامات الطرفين سيطفو سؤال ”من يقتل من؟” مجددا.