Feat

Searching...

التّبيان في حياة الأستاذ المؤرّخ عمّار دهّان

فبراير 01, 2014

التّبيان في حياة الأستاذ المؤرّخ عمّار دهّان

بقلم: البشير بوكثير

الحوار مسجل بالصوت والصورة بتاريخ : 20 جانفي 2003م.

إهداء: إلى روح الأستاذ المؤرخ والمجاهد عمّار دهّان طيّب الله تعالى ثراه، أهدي هذه الكلمات.

التّبيان في حياة الأستاذ المؤرّخ عمّار دهّان بقلم بشير بوكثير

التّبيان في حياة الأستاذ المؤرّخ عمّار دهّان

في يوم شتوي قارس جمعتني به الأقدار، وأجريت معه أوّل وأطول حوار ، فتح لي قلبه، كما فتح لي باب بيته في ذلك النهار، واستقبلني استقبال الأبرار، قرأتُ عليه مقدّمة الحوار فتهلّلتْ أساريره، كصبحٍ أطلّت تباشيره، وروضٍ تفتّحتْ أزاهيره.

تشعر حين تراه برهبة الوقار، ويأسرك منطقه أيمّا إسار، وتسحرك ثقافته الموسوعية التي ليس لها ساحل ولا قرار، فهو مفكّر من طينة الكبار، ومؤرّخ لايشقّ له غبار. 

كنتُ سعيدا جدّا بموافقته على إجراء هذا الحوار لأنّي أعرف شخصية الرجل وقيمته العلميّة.فهو شخصية تاريخية وطنية، ويكفيه فخرا أنه كان محافظا سياسيا لمنطقة سطيف وعضوا وطنيا في أول مجلس تأسيسي للجزائر المستقلة.

لاأبالغ إذا قلت أنه أستاذ الأساتذة، فقد كان أستاذا لأساتذتي ، وشيخا لشيوخي، ولاغرو فهو تلميذ العالم الرباني، والزّاهد الرّوحاني الشيخ "أحمد عاشور" خريج الزيتونة الميمونة، حيث لازمه ملازمة الظل حتىّ وافته المنية.أسّس معه مدرسة التهذيب التي لاتزال عامرة بالطلاب والمريدين إلى يومِ النّاس هذا.

"سي عمّار دهّان" رجل ذكي جدّا، ومثقف قلَّ نظيره في عصرنا، يتركك تنبهر بل تُسحر بسلاسة حديثه وقوة حُجّته، ونصاعة منطقه. ذاكرته قوية، غضّة نديّة، لم تُؤثّــر عليها عواتي الزمن إلاّ لِماما ، شعره الأبيض يروي ألف حكاية وحكاية عن قيمة وقامة رجلٍ اختلفتُ معه كثيرا وأنا أحاوره لاسيّما في بعض القضايا الدينية التي كان له فيها رأي يخالف قول جمهور العلماء.لكن رغم ذلك احترمتُ فيه حسنَ الاستماع، والقدرة على الإقناع، إضافة إلى حصافة الفكر، ونفاذ البصيرة، وحكمة الكبار .

يحدّثك حديث الموسوعي الملمّ بالقضايا السياسية والتاريخية والثقافية والدينية والفلسفية إلماما يجعلك تنحني احتراما لهذه القمة الشامخة، والقامة الباذخة.

حدثني كثيرا عن الثورة التحريرية وذكرياته مع رفقاء النضال في تونس الشقيقة، كان حديثه يدور حول الغير، لا عَن الأنا، لم ينسب الفضل لنفسه كما يفعل البعض،بل يهيم في عوالم روحانية وهو يحدّثك عن شيخه أحمد عاشور، والشيخ العلاّمة البشير الإبراهيمي..

استوقفته كثيرا في علاقته بالشهيد "أحمد بن دريميع" المدعو "أحمد لمطروش" هذا البطل الأسطورة ، حدثني عن شجاعته وبأسه، وعن حبّه للعمل الفدائي المنفرد ، كما سألته عن مؤتمر الصومام، والخلافات التي حدثت بين الإخوة حينها، وعن بعض الاغتيالات السياسية التي مسّت بعض المجاهدين والقادة التاريخيين. كان دبلوماسيا في الردّ، حادّ الذكاء في التحليل والصدّ .

أطلعني على وثائق هامّة، ومقالات نارية كان يكتبها أسبوعيا على الحدود التونسية - الجزائرية ، وأبانَ عن وفاء نادر ، ودفاع مُستميت وولاء منقطع النظير للرئيس أحمد بن بلة. 

كما حدّثني بإسهاب عن الخلل الرّهيب الذي تعانيه منظومتنا الدينية والفكريّة، لاسيما منظومة الإفتاء.

لكن ماحَزَّ في نفسي شخصيا هو التهميش والتضييق الذي تعرّض له بعد الانقلاب الذي قام به هواري بومدين، وتجريده من كلّ المناصب التي حازها، غيرَ أنّ الرّجل بقي وفيا لرسالة التربية والتعليم، حيث أكمل مسيرته أستاذا بمدينة سطيف إلى أنْ تقاعد في مطلع الثمانينيات.

وعلى الرّغم ممّا لحقه من تهميش وتضييق فإنّ "سي عمّار"لم يشكُ ولم يتبرّم ولم يطعن في إنجازات بومدين أو يهيل عليها التراب كما يفعل الكثيرون ممّن اكتووا بنار التهميش والحقرة في فترة من الفترات. كان يرى في كلّ ذلك سلوكات بشريّة تصيب أحيانا، وتجانب جادة الصواب في أحايين كثيرة.

انتقل إلى الرفيق الأعلى يوم الأحد 13 أكتوبر 2013م، رحمه الله تعالى وجعله في زمرة الصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.


السبت: 1 فيفري 2014م