بين الجزائر و المقاومة في غزة .
عندما اعتقلت قوات الاحتلال الفرنسية المناضل وأسطورة الثورة الجزائرية العربي بن مهيدي في فبراير 1957، سمحوا لمجموعة من الصحفيين الفرنسيين بإجراء مقابلة مع الأسد الجريح. وكانت الصحافة الفرنسية وقتها تصف المقاومة الجزائرية بالإرهاب وتصف حركة التحرر الوطني بأنها حركة إرهابية بربرية. في ذلك اللقاء سأل أحد الصحفيين بن مهيدي "ألا ترى أن نقل المتفجرات في حقيبة يد امرأة عملا جبانا يودى بحياة الأبرياء من المدنيين؟". فأجابه بن مهيدي "وألا ترى أنت أن إلقاء قنابل النابالم على القرى وسكانها العزل مما يودي بحياة الآلاف عملا أكثر جبنا وندالة ؟"
وتابع بن مهيدي "اعطونا طائراتكم الحربية وقنابلكم ونحن مستعدون لإعطائكم حقائب اليد النسائية".
التاريخ يعيد نفسه، فكما كان الاحتلال الفرنسي الذي ارتكب جرائم لا تغتفر في حق الشعب الجزائري الأعزل لأكثر من مائة سنة، لا يستحيي هذا الجيش المجرم أن يصف المقاومة الضعيفة بأسلحتها الهزيلة أنها إرهاب. فها نحن نشهد الآن أمريكا وأوروبا تسكت على المجازر الإسرائيلية بترسانتها المدمرة، بينما تدين المقاومة بأسلحتها البدائية وتصفها بالإرهاب. نفس الظلم ونفس المنطق. لقد سمعت وزير الدفاع الإسرائيلي الإرهابي العتيد إيهود باراك يقول في مقابلة تليفزيونية أثناء الحرب على غزة "لماذا يختبئ مقاتلو حماس وسط المدنيين، إنهم هم السبب في مقتل المدنيين. لماذا لا يخرجون لقتالنا في الأراضي المفتوحة كما تقتضي الشهامة والرجولة العربية. ألا يخجلون من هذا الجبن؟!". نفس المنطق ونفس الظلم، الجيش الإسرائيلي الذي ظل يقصف من الجو غزة لأسبوع كامل يتكلم قائده الجبان بهذه الطريقة وبهذه المغالطات.
وكما ظل العالم الغربي على امتداد أكثر من قرن يغض الطرف عن جرائم الاحتلال الفرنسي التي أودت بحياة أكثر من مليون جزائري على أقل تقدير، ولم تر في فرنسا مع ذلك إلا عاصمة النور والحضارة والثقافة والفنون والجمال في العالم. بل إن بعض مثقفينا التعساء ممن تربوا في حضن الغرب ورضعوا من ثقافته لم نسمعهم يذكرون هذه المآسي الإنسانية الرهيبة التي ارتكبتها يد الاحتلال الفرنسي، وأخذوا يتغزلون في عاصمة النور ويتطلعون لها مثلا أعلى لأحلامهم المريضة. ونفس الأمر يتكرر الآن، إذ يرى الغرب إسرائيل واحة الديمقراطية والحرية وسط غابة من التخلف والرجعية، ويغضون الطرف عن جرائم الإبادة الوحشية وينكرون على الشعب الأعزل أن يقاوم الاحتلال، ويجيشون الجيوش والأساطيل لمنع "تهريب" السلاح لمقاومة الاحتلال.
لقد أمدت الولايات المتحدة حليفتها إسرائيل بعدد 226 طائرة إف16 الحربية، وأكثر من 700 دبابة إم60، و6000 مدرعة وأعدادا كبيرة من طائرات الاستطلاع وطائرات النقل والتدريب. وأمدتها بالذخائر المحرمة دوليا من القنابل العنقودية التي استخدمت في لبنان والقنابل الفوسفورية التي استخدمت في غزة. هذه القوة الغاشمة ووراءها هذا التأييد الغربي الظالم، لم تستطع أن توقف الصواريخ البدائية للمقاومة، ولن تستطيع أن تقتل روح الصمود برغم قوة التدمير العشوائي لآلة الحرب الإسرائيلية. وكما انتهى الصراع بين المقاومة الجزائرية وفرنسا الظالمة بدحر الاحتلال وتحرير الجزائر، فسيتكرر نفس الشيئ في فلسطين.
لقد عاش الشعب الجزائري ليال حزينة عندما اشتدت وطأة التعذيب على العربي بن مهيدي وأدت إلى استشهاده في مارس 1957، وذكر بعض شهود الواقعة وقتها أنه قد تم سلخ جلد وجهه بالكامل أثناء التعذيب، وأنه عندما فارق الحياة رفع الجنرال الفرنسي بيجار يده تحية للشهيد كما لو أنه قائد له ثم قال: لو أن لي ثلة من أمثال العربي بن مهيدي لغزوت العالم. فصبرا أيها الفلسطينيون الشرفاء فقد أوشك ليل الاحتلال على نهايته.