قادة بن عمار: وزيرة "آيلة للزوال"!
لو احتاج الأساتذة مبررا واحدا لإقناع الرأي العام بإضرابهم المستمر واحتجاجهم الذي لا يتوقف، لقلت إن عبارة "أساتذة آيلين للزوال" التي تستعملها السلطة في الحديث عن عدد هام من الذين أفنوا حياتهم في التعليم، ثم قررت فجأة التخلص منهم، يعتبر عاملا كافيا وحجة مقنعة!!
لا يوجد أقسى من عبارة "آيل للزوال" للحديث عن نهاية مشوار مهني طويل، مليء بالانتصارات والانكسارات، ولتقزيم حياةٍ لا يختلف اثنان على أنها متعبة وغاية في الامتهان، والإذلال، ففرق كبير بين أستاذ الأمس الذي كاد أن يكون رسولا وأستاذ اليوم الذي بات (ونتيجة عوامل كثيرة).. "مهبولا"!!
إنهم يريدون حاليا، القضاء على آخر "المهن المحترمة في المجتمع" وهي التعليم..من خلال تعبئة الناس "إعلاميا" بالحديث عن الأستاذ وكأنه "مرتزق" لا يبحث سوى عن مزيد من المال و"كثير من العطل" وقليل من النتائج العلمية والإبداع في العمل..ولعل الإعلام يتحمل مسؤولية كبيرة في "تشكيل" هذه الصورة النمطية المخطئة، تضاف إليه النقابات التي باتت كالمحامي الفاشل في قضية ناجحة، لكن المسؤول الأول عن هذا الوضع.. هي السلطة التي يراها البعض أو يتصور مخطئا أنها تتجسد في وزارة التربية، والواقع أن الأمر يتجاوز شخص المسؤول الجالس على كرسي هذه الأخيرة، ليصل إلى ثقافة سلطوية ونمط حكم يقصي حملة العلم ورواد التربية، ويرفع من شأن لاعبي الكرة ويعلّي من قيمة الجهلة!!
ما معنى "أستاذ آيل للزوال" وكيف تستعملها سلطة لا ترى نفسها "مستمرة" و"أبدية" وغير آيلة للزوال"؟ ثم كيف تروّج الوزيرة الحالية نورية بن غبريط لهذا التعبير القاسي والمبتذل، إن كانت هي أصلا "آيلة للزوال" بمناسبة التعديل الحكومي الوشيك!؟
يتحمل عدد من الأساتذة جزءا كبيرا من تدهور مستوى التعليم، ليس بسبب كثرة الاحتجاجات فقط، وإن كانت شرعية، ومطالبها واقعية جدا، لكن أيضا لأنهم سكتوا عن "ذنب السلطة" في اعتماد سياسة "كور واعطي لعور"..لم يخرجوا للشارع دفاعا عن كرامة التعليم..بل وافقوا على لعب الدور الذي اختزلتهم فيه الإدارة، وهو دور المعلم اللاهث وراء راتب شهري أحسن وخدمات اجتماعية أكبر.. لقد اغتالتهم هذه السياسة بموافقة من النقابات، وتواطؤ من طرف الإعلام، وتعبئة سلبية وسط المجتمع.
حبذا لو قررت النقابات أن تتكتل المرة المقبلة للتعبير عن غضبها من انهيار قيمة البكالوريا، ومن سقوط قيمة الأستاذ في بورصة المجتمع، وللاحتجاج ضد إقصاء تلاميذ من ممارسة حقهم خمس سنوات في إعادة المسابقات، والامتحانات بحجة أنهم "غشاشون" في مجتمع منافق، يعتبر الغش فضيلة حين يتلاءم معه، وينبذه حين يريد التخلص من بعض روافده وتبعاته!
على النقابات أن تفكر في تغيير استراتيجيتها حتى تستعيد ثقة الأولياء، وعلى الإعلام أن ينصت لآهات الأساتذة بعيدا عن التربص بالزيادات في أجورهم، وعلى الأساتذة أن يتطهروا من لوثة الدروس الخصوصية التي ارتبطت بأدائهم، وعلى الأولياء أن يقفوا على مسافة واحدة من النقابات والوزارة الوصية، فإن كانت هذه الأخيرة تملك الحزم، فإن الأساتذة يملكون "مصير أبنائهم" طيلة اليوم..حينها سيكون بوسع هؤلاء جميعا أن يواجهوا إرادة سياسية "عاجزة" تسعى لاغتيال مهنة التعليم وامتهان كرامة المعلم.. سلطة تنظر لنا جميعا على أننا "آيلون للزوال" حتى تحافظ على أبديتها واستمرارها لمزيد من الوقت.