Feat

Searching...

رأس الوادي.. المدينة التي أنجبت رجال الأعمال تبحث عن مستثمرين

فبراير 04, 2016

رأس الوادي.. المدينة التي أنجبت رجال الأعمال تبحث عن مستثمرين

نشر جريدة النصر بتاريخ: الخميس، 04 فيفري 2016 01:19

صفحة رأس الوادي طوكفيل

لا يزال موقع منجم الفوسفات المهجور الذي يحتفظ بعربات التيليفريك و خطوط السكة الحديدية، التي كانت تستعمل في نقل الفوسفات من أعالي جبال مزيطة، في بلدية رأس الوادي بولاية البرج، شاهدا على الحركية الاقتصادية التي كانت تتمتع بها المنطقة، التي تنام على ثروات أخرى اقتصادية و سياحية تعاني الجمود و الإهمال، و تعتزم السلطات إعادة الحياة للمنجم سعيا نحو الرقي ببلدية تعد مسقط رأس رجال الأعمال إلى مصاف الأقطاب المنجمية و الاقتصادية.
خبراء لدراسة بعث منجم الفوسفات المهجور
السلطات بادرت بإجراءات تتمثل حسب رئيس البلدية، في إرسال فريق عمل مكون من خبراء للتحقيق و دراسة إمكانية إعادة بعث منجم الفوسفات، بعدما استفادت البلدية من مشروع ضخم لإنشاء منطقة صناعية بمنطقة الرمايل تتربع على مساحة 134 هكتارا، و توفرها على نسب عالية لإنجاح هذا المشروع الهام، من خلال جلب كبار المستثمرين و رجال المال و الأعمال من أبناء المنطقة، الذين تجاوزت نجاحاتهم في المجال الصناعي و الاقتصادي حدود الوطن.
و على الرغم من هذه الجهود، تبقى بلدية رأس الوادي تنتظر تجسيد هذه المشاريع فعليا و الاستثمار في امكانياتها البشرية و المادية، لإخراج شبابها و سكانها من تناقضات عصفت بهم و دفعتهم إلى البحث عن مصادر للاسترزاق حتى ولو تطلب الأمر امتهان نشاطات غير مشروعة.
الزائر لرأس الوادي يلمس من حديث شبانها و مواطنيها، في وسائل و محطات النقل بشوارع و أحياء و مقاهي المدينة التي تعج بالبطالين، تناقضات صارخة يعايشونها في حياتهم اليومية، يتكلمون عن ماض أفضل بكثير من حاضرهم، و يتحدث كبارهم عن التعاونيات الفلاحية خلال الثورة الزراعية و الخيرات التي كانت تدرها الأرض على أبنائها العاملين بشغف للارتقاء ببلديتهم، و عن أثار لازالت شاهدة عن تاريخ المنطقة العريق الذي يمتد بجذوره إلى الحقب الغابرة. 
إذ يحاكي في بعض محطاته تلك الحركية التجارية و الصناعية التي كانت تشهدها المنطقة برمتها، خاصة ما تعلق منها بمنجم الفوسفات في أعالي منطقة مزيطة، الذي كان مستغلا خلال الحقبة الاستعمارية، حيث لا زالت بعض الشواهد مثل المغارات الكبيرة لإستخراج مادة الفوسفات و كذا القاعدة المخصصة لمحطة التليفريك بأعالي جبال مزيطة قائمة.
كان الفوسفات المستخرج ينقل على عربات التليفريك إلى بلدية رأس الوادي و منها في عربات قطار نقل البضائع إلى ميناء بجاية لتحويله إلى فرنسا، و تشير بعض المراجع إلى أن المنجم استغل سنة 1907 و شرع في التصدير نحو فرنسا سنة 1909 و بقي يشتغل إلى غاية سنة 1956 حين تم هجره، بعدما لقي العاملون به مقاومة كبيرة من قبل الثوار بمنطقة مزيطة و بئر ميشو، حيث تكبدت قوات العدو الفرنسي المكلفة بحراسته خسائر كبيرة دفعتها الى التخلي عن المشروع بصفة نهائية.
البطالة و العزلة يثقلان يوميات الشباب
بينما يستعيد شيوخ و كبار المنطقة حكاياتهم عن الماضي، يتحدث الشباب و خريجو الجامعات و مراكز التكوين عن واقع مر يتسم بيوميات مثقلة بالهموم، جراء انسداد الأفق و معاناتهم من ظروف البطالة القاسية في ظل انعدام فرص الشغل، و العزلة التي تعاني منها المنطقة، بالنظر إلى توفر البلدية على شبكة طرقات محدودة تتلاقى جميعها في مدخل واحد، عادة ما تتسبب مياه الأمطار الطوفانية و الثلوج في شل حركة المرور، سواء على مستوى الطريقين الوطنيين رقم 103 و رقم 103 أ اللذان يلتقيان بمدخل البلدية، و غالبا ما تتوقف حركية المرور بسبب ارتفاع منسوب مياه واد بن هارون و غمرها لهاذين الطريقين بفعل تجمع السيول المحملة بالأوحال على مستوى الجسرالواقع في مدخل المدينة، و كذا على مستوى الطريق الولائي رقم 141 بعد ارتفاع منسوب مياه وادي برجي.
و يشير الكثير من الشباب بالبلدية إلى أن السلطات لم تستثمر في هذه الإمكانيات الهائلة، مطالبين بالالتفات أكثر لفئة الفلاحين و الصناعيين، و التفكير في فك العزلة عن المنطقة من خلال تجسيد المطلب المتكرر للسكان و شق طريق من الناحية الغربية يمر بمنطقة عياضات نحو بلدية العناصر باتجاه عاصمة الولاية، أو نحو بلديات بليمور و برج الغدير و غيلاسة و تقلعيت نحو المسيلة .
يشير أهل رأس الوادي أن الفرق بين الماضي و الحاضر هو ذلك التوسع العمراني و التضاعف في تعداد السكان الذي بلغ حدود 80 ألف نسمة، ما جعل هذه المدينة الواقعة على بعد حوالي 35 كيلومترا في الجهة الجنوبية الشرقية لولاية برج بوعريريج، تعد ثاني أكبر تجمع سكاني بعد عاصمة الولاية، لكن الارتفاع في عدد السكان لم يقابله تطور في البنى التحتية و الاقتصادية، و على النقيض من ذلك يقول سكان المنطقة أن بلديتهم تشهد تراجعا و تأخرا مقارنة بفترات سابقة.
بينما تزيد الحاجة إلى مناصب العمل و تتزايد نسب البطالة في ظل انعدام فرص الشغل و احصاء عدد قليل من المؤسسات الخاصة، لجأ عشرات الشباب إلى نشاطات موازية و احتراف مهن لتوفير قوت عائلتهم، فمنهم من توجه إلى صناعة الأثاث المنزلي و النجارة في حين فضل البعض الآخر امتهان نشاط التجارة الفوضوية، من خلال نصب طاولات لبيع الخضر و الفواكه على الأرصفة و بجوار الطرقات و بالقرب من المساجد و الساحات العمومية.
هؤلاء يقولون أنهم يمارسون نشاطهم في ظروف صعبة خوفا من ملاحقات مصالح الأمن التي عادة ما تصر على محاربة التجارة الفوضوية و تنقية شوارع المدينة، بعدما قامت البلدية بتهيئة السوق الجديدة، و طالبتهم بنقل نشاطهم إلى هذا السوق و استغلال بعضهم للمحلات المهنية التي استفادوا منها في تجارتهم.
كبار المستثمرين مدعوون لبناء قطب اقتصادي
و في ظل هذا الوضع يطمح سكان بلدية رأس الوادي أن تبادر السلطات المحلية الى استغلال جميع الامكانيات المتوفرة و نفض الغبار عن منجم الفوسفات، و كذا تسريع وتيرة انجاز المنطقة الصناعية، للنهوض من السبات في المجال الاقتصادي الذي سئمت منه المدينة على مدار عقود كاملة. رغم الحديث المتكرر للسلطات على التوجه نحو استغلال ثروات المنطقة لتحقيق نهضة اقتصادية، قد تمكنها من تحقيق طموح الارتقاء إلى مصاف الولايات المنتدبة، حيث سبق و أن تم وضع بلدية رأس الوادي ضمن قائمة البلديات المقترحة للترقية إلى ولاية منتدبة، و تجدد هذا الطموح بعد انتداب مناطق في الجنوب و ترقيتها، و تأكيد السلطات على وضع برنامج لسنة 2016 قد يمس المدن الواقعة في منطقة الهضاب العليا.
يأمل شبان المنطقة أيضا إلى تظافر جهود أبنائها من المستثمرين و رجال الأعمال و المال و الوزراء السابقين لتحقيق هذا الطموح، من خلال تحقيق وثبة اقتصادية هامة و إنجاح المشاريع المقترحة، خاصة و أن الكثير من كبار المستثمرين بالجزائر ينحدرون من رأس الوادي على غرار عائلة بن حمادي التي تحوز على كبرى المصانع في مجال الصناعات الالكترونية و الكهرومنزلية على المستوى الوطني، و مصانع لمواد البناء و الطاقة الشمسية و مطاحن و مصنع للعجائن و غيرها من الاستثمارات في المجال الصناعي و السياحي. بالإضافة إلى صاحب شركة خاصة في مجال الالكترونيك «ايريس» و مستثمرين آخرين في مجال مواد البناء و الصناعات التحويلية.
تنويع مجال الاستثمار و إنهاء مشكل نقص المياه
و في ما يتعلق بشعاع الأمل الذي بدأ في البروز ببلدية رأس الوادي في ظل المشاريع الاقتصادية المفتوحة، يعيب سكان المنطقة على السلطات المسؤولة على ملف الاستثمار و المنطقة الصناعية المقترحة، حصر نشاطها في مجال الصناعات الغذائية، و كذا تأخر عملية التهيئة، و التساؤل عن كيفية تموين المنطقة الصناعية بالمياه في وقت يعاني فيه السكان من مشكل المياه و شح منسوب المياه الباطنية، و انخفاض منسوب المياه الجوفية بأكثر من 50 بالمائة، حيث لم يبق سوى نقبي طيطست و كاف غراب يوفران المياه بنسب ضئيلة، في حين جفت المياه بالبئرين المتواجدين بمنطقتي درياقة و الشلخة.
رئيس البلدية ..رأس الوادي ستتحول إلى قطب اقتصادي كبير 
في رده على هذه الانشغالات بدى رئيس البلدية كمال بوسواليم، متفهما لطموح سكان المنطقة، حيث أكد على أنه يساند المطالب المشروعة، خاصة ما تعلق منها بتنويع نشاطات المنطقة الصناعية الجديدة و عدم حصرها في الصناعات الغذائية و الزراعية، و مع ذلك أشار إلى الجهود التي أطلقتها الدولة في سبيل تذليل العقبات و إعطاء بلدية رأس الوادي مكانتها الحقيقية، على محور البلديات المتواجدة بمنطقة الهضاب العليا، خاصة و أنها تتواجد في منطقة حدودية بين ثلاث ولايات و هي البرج سطيف و المسيلة، بالإضافة الى توفرها على ثروات مهمة على غرار منجم الفوسفات، مشيرا في هذا السياق إلى قيام فريق عمل و مجموعة من الخبراء و التقنيين على مدار الأشهر القليلة الفارطة بإجراء تحقيقات و عمليات حفر لتنقيبات على مستوى مغارات المنجم لتحديد مخزون مادة الفوسفات و دراسة مردودية المشروع قبل إعادة بعث الأشغال بالمنجم، مفندا الأخبار التي انتشرت من كون اللجنة قد أعدت تقريرها و أكدت على عدم نجاعة المشروع بالنظر إلى ضعف مردوديته مثلما تم تداوله وسط الشارع . و عن الشكاوي المتعلقة بالعزلة ، أكد على إعداد سلطات البلدية لبطاقة فنية و اقتراح تسجيل مشروع لإنجاز طريق جديد على مديرية الأشغال العمومية، لفك العزلة عن المنطقة، و يمتد هذا الطريق الذي يرتقب أن يصبح ثاني منفذ للمدينة، من بلدية رأس الوادي نحو العياضات و شعاب الطين وصولا إلى منطقة الشانية و منها نحو بلدية العناصر باتجاه البرج و بلديات الجهة الجنوبية للولاية، و نحو بلدية بليمور إلى غاية الحدود مع ولاية المسيلة، مضيفا أن البلدية استفادت من مشاريع كبرى لإنجاز ازدواجية الطريق الوطني رقم 103أ، من بلدية سيدي أمبارك مرورا ببلدية عين تاسيرة و هو الطريق المؤدي إلى عاصمة الولاية، و كذا ازدواجية الطريق الوطني رقم 103 الذي يربط بلدية رأس الوادي ببلديات تكستار و عين تاغروت و كذا الطريق السيار و الطريق الوطني رقم 05، و الطريق الولائي رقم 142 باتجاه عين ولمان بولاية سطيف، ما سيساعد على فك العزلة و تنويع شبكات الطرقات و تسهيل حركة مركبات الوزن الثقيل مستقبلا نحو مشروع المنطقة الصناعية، ناهيك عن انجاز منطقة لوجيستيكية لميناء بجاية و ميناء جاف ببلدية تكستار القريبة من موقع المنطقة الصناعية، و قربها أيضا من شبكة السكة الحديدية، حيث تبعد بحوالي 07 كيلومترات عن أقرب محطة .
و أكد على قرب انطلاق أشغال تهيئة المنطقة الصناعية المتواجدة بمنطقة الرمايل، بعد الحصول على رخصة التجزئة، و اتمام الدراسة من قبل الوكالة الوطنية للوساطة و الضبط العقاري «أنيراف»، و تقرب المستثمرين من مصالح مديرية الصناعة التي استقبلت 31 ملفا لطلبات الاستثمار من بينهم 12 مستثمرا استوفت ملفاتهم جميع الشروط و تحصلوا على قرارات الاستفادة. وأشار إلى أن جميع التحضيرات و المشاريع جارية بالموازاة، لإنجاح مشروع المنطقة الصناعية، حيث تتواصل إجراءات تزويد مشروع المنطقة الصناعية و بلدية دائرة رأس الوادي بالمياه من سد عين زادة، في إطار مشاريع التحويلات الكبرى للمياه، مؤكدا على اتمام الدراسة و انتظار إعداد الصفقة من طرف مديرية الموارد المائية لانطلاق المشروع الذي رصدت له الدولة غلافا ماليا يفوق 120 مليار سنتيم. 
ع/بوعبدالله