بقلم: البشير بوكثير / رأس الوادي.
ملاحظة: طلب مني زميل عزيز إعادة نشر هذا الموضوع كما قال "لأنّه يبرّد القلب" ...
(من استرعى الذّئب ظلم)، هذا مثلٌ عربيّ قديم مفاده أنّ راعيا وجد في إحدى غدواته وروحاته إلى المرعى ذئبا صغيرا فَقَد أُمّه، وبسذاجة كبيرة أخذه وجعله مع قطيع أغنامه، وكان هذا الذّئب يتغذّى من ثدي عنزة هرِمة، وما إن اشتدّ عُوده حتّى أتى على العنزة التي أرضعته وغذّنه فافترسها. لمحه الرّاعي من بعيد وهو يرتكب جَريرتَه فسدّد نحوه سهم الموت فأرداه صريعا. حينها تنفّس الصُّعداء، وشعر بالعِزّة والإباء.
وقال: (من استرعى الذّئب ظلم). وذهب قوله هذا مثلا.
أمّا الذئب الذي سأحدّثكَ عنه قارئي الكريم اليوم فليس من عالم العجماوات والحيوانات، ولكنّه من عالم البشر: ممّن ينطقون ويُفكّرون ويَتمَنْطقون، ويتحذلقون، وللكلام يُنمّقون، ويرتكبون حماقات وكوارث في حقّ النّاس، فيتعوّذ منهم الوسواس الخنّاس.
لا شكّ أيها القارىء وأنّك قد صادفتَ وأبصرتَ وتحدّثتَ مع هذا النّوع من البشر الذي سمَّوه سياسيا-ليس من ساس يسوس بل من سَوَّسَ يُسوِّس سُوسا- ورُحتَ تتأمّل شكله وحجمه ووزنه وسحنته، بل وتتعجّب وتأسر لبدلته الأنيقة، وربطة عنقه العتيقة، وشِفاهه الرّقيقة، ووقفتَ مشدوها أمام فصاحته وبلاغته وقُوّة حُجّته، ورُبما خدعكَ كلامُه المعسول، ووعدُه المأمول، فَبِيَدِه مفتاح الحلول، لكلّ معضلة أعجَزتِ السليم فما بالك بالمشلول. فتشغيل الشباب حقيقة لا سراب، ومُشكلة السّكن، هدية بسيطة لا تساوي سِعر كفَن، وحقوق النّساء، مكفولة دون سَفْسطة أو عَناء. أمّا عَصْرنة الإدارة، فتتحقّق - توًّا- بالغمز والإشارة. وإنْ سألته عن التعليم، أقنعكَ فعلا أنّه في الإنعاش سقيم، لكن حَضرته سيُحييه بعد رميم -أستغفر الله العظيم-، وإنْ.. وإنْ.. وإنْ! هذا النّوع من السياسيين دفعتْ بهم أرحام التّاريخ، راسبين مطرودين بالإنذار والتّوبيخ، لكنّهم يُحسنون التّزمير والتّطبيل والرّقص والنفيخ، ويُبدعون في التّملّق والرّياء والنّفاق والتّبربيخ، فيصعدون بتجارتهم الكاسدة إلى المرّيخ، وبعدها يُؤسّسون منابر إعلامية ينشرون فيها حروب السياسة والبوليتيك، ويخدعون الدّهماء بفنّ العنتريات والتّسرديك.
ويوم الامتحان (الانتخاب) يُكرَم هذا الذئب دوما ولا يُهان، فتُوزّع المشروبات والمُرطبات بالمجّان، على المواطن الغلبان. أمّا هو فيع تلي قُبّة البرلمان، ويُشار إليه بالبَنان، ثمّ يتناسى الوعود والعهود بعد أن أقسم بأغلظ الأيْمان، أنّه في خدمة المغبون الغلبان، الذي سيطويه النسيان، ويصبح في خبر كان.
وبعد شهر أو شهرين تنتفخ لذئبنا الأوداج، ويأتيه الرّيع والخراج، فيتكرّش مثل البقر والنّعاج، فيتغــيّر المزاج، ويُعيد الزّواج، ويخطب في النّاس مُممتشقا سيف الحَجّاج: (إنّ شعبي مغفّل من طيبته يحتاج إلى علاج)، يقولها يا سادتي بكلّ وقاحة ودون إحراج.