Feat

Searching...

* الدّرر الغوالي، في ذكرى وفاة الشّيخ محمّد الغزالي* الدّرر الغوالي، في ذكرى وفاة الشّيخ محمّد الغزالي بقلم : البشير بوكثير

مارس 11, 2015

* الدّرر الغوالي، في ذكرى وفاة الشّيخ محمّد الغزالي
بقلم  : البشير بوكثير 

الإهداء: 
إلى روح أديب الدعوة الإسلامية و إمام التسامح والفكر النيّر الشيخ الفاضل (محمد الغزالي )-عليه شآبيب الرحمة والغفران- في ذكرى وفاته التّاسعة عشر،أهدي هذه النسمات المُنعشات ،على ضفاف تلك المحطات النيّرات.
كنتُ لا أزال طالبا حين حلّت بهذه الأرض الزكية النديّة نسائم شيخنا الوسيم الوقور محمد الغزالي -طيّب الله ثراه- وهي تتهادى بين الوهاد والنجاد ، السهل والوعر ، الأرياف والحواضر ، فأحيتِ الأرض بعد موات وجمعتْ شمل الأمّة بعد شتات ، وأعادت للإسلام صفاءه ونقاءه بما عُرِف به الرجل من حصافة فكر ، وسداد نظر ، ودقّة فهمٍ وتحليل لِعلل الأمّة وأدوائها ، فما وجدتني إلا وأنا مبهور بعلمه الفيّاض وأسلوبه الأدبي البليغ الراقي .وحسبي أنّي كُنتُ أمام بحرٍ بل محيط زاخر هدّار لا ينضب ماؤه ولا تفنى ذخائره ولآلئه.
كانت لحظة حاسمة في تكويني الفكري والديني والأدبي ، حيث انكببتُ على كتب الشيخ انكباب الظمآن على الماء الزلال ، وفسحت المجال لسمعي لالتقاط محاضرات الشيخ بإكبار وإجلال .
ساعتئذٍ أدركتُ أنّ الشيخ فاق عصره بقرون ، وأنّ تراثه المنشور والمخطوط والمسموع ينتظر من ينفض عنه الغبار ، و ينصفه وينشره لأجيال لاتعرف قيمة رموزها إلاّ عندما يرحلون ، وربما لاتعرف عنهم شيئا وهم أحياء يُرزقون.
لقد فقدتِ الأمة الإسلامية قاطبة هذه القمّة العلمية والدينية الباسقة،والموسوعة الفكرية السّامقة في أحلك الفترات من تاريخها .
وللذين لم يتنسّموا عبير هذا الندى المنعش أسجّل هنا وباقتضاب بعض المحطات المضيئات في حيا ة الفقيد الغالي الشيخ الغزالي.
ولد الشيخ محمد الغزالي في 22 سبتمبر 1917 في قرية (تكلا العنب إيتاي البارود) بمصر. وقد عرفت هذه القرية ميلاد عمالقة الفكر والأدب والدعوة من أمثال : الشاعر المصقع محمود سامي البارودي ، وشهيد الدعوة حسن البنا والشيخ العلامة محمود شلتوت ، وسليم البشري وغيرهم من رجالات أمتتنا العظام. كان والده من حَفظة القرآن الكريم ، وسار الولد على نهج والده فأتم ّ حفظ كتاب الله وعمره تسع سنوات ، ثمّ انتقل من كُتّاب القرية إلى المعهد الديني بالإسكندرية حيث نال شهادة الكفاءة لينتقل إلى القاهرة ويبدأ دراسته الجامعية في كُليّة أصول الدّين ، وبعد أربع سنوات من التحصيل المُضني تحصّل على شهادتها العالية وتخصّص في الدعوة والإرشاد.ومن مشايخه الذين ساهموا في تكوينه يذكر لنا الشيخ الغزالي : الشيخ عبد العزيز بلال ، والشيخ محمّد الريّان ، وإبراهيم الغرباوي ..وغيرهم.
وقد تعرّف على الشيخ حسن البنّا -رحمه الله- أثناء دراسته الثانوية بالأسكندرية فتأثّر به تأثّرا شديدا واستمرّ معه في ميدان الدعوة حتى استشهاده عام 1948. وهو من أطلق عليه اسم : أديب الدعوة لأسلوبه الأدبي الساحر البليغ.
ومن العلوم التي يُؤْثرها الشيخ الغزالي الأدب أو السّحر الحلال ، فلا غروأن يلمس القارىء المتذوّق في كتاباته تلك الموهبة الفنّية البيانية التي تحلّق به في العلياء. ويأتي بعد الأدب ولعُه بالدراسات النفسية التي تُعنى بخبايا النفس البشرية فتسبر أغوارها وتستخرج كنهها وأسرارها . واقرأ كتابه (جدّد حياتك) تكتشف هذا التأثّر بهذه العلوم .
وقد عايش الشيخ الغزالي أحداث وهموم عصره بدءا بالاحتلال الإنجليزي الذي قاومه وهو لايزال طالبا ممّا أدى إلى فصله من الدراسة الثانوية لمدّة عام وزُجَّ به في السجن عدّة مرات ، وانتهاء بصراعاته الفكرية مع الشيوعيين والعلمانيين الذين أرادوا مسخ الهوية الإسلامية وسلخ الأمّة عن مقوماتها ، كما خاض حربا ضروسا ضدّ المتزمّتين أو كما كان يسمّيهم بالمتمسلمين الذين شوّهوا الدين من حيث ظنّوا أنهم خدموه .
وقد شُنت عليه حروب وغارات إعلامية من طرف أدعياء السّلفية لكنّه وقف شامخا راسخا كالطود الأشم إلى أن وافاه الأجل ومات ودُفن في أطهر بقعة وفي أشرف مكان ليلة السبت 9 مارس 1996 وهو يحاضر في ندوة ثقافية بالرياض إثر ذبحة صدرية ، وكانت آخر كلمة قالها وهو ينافح عن الإسلام ضدّ الجمود والتزمّت ( نريد أن نحقّق لا إلله إلاّ الله).
دُفن الشّيخ محمّد الغزالي رحمه الله تعالى بالبقيع مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهذا ما كان يتمنّاه في حياته .فاستجاب الله تعالى لدعائه وحقّق أمنيته .
لقد عاش الغزالي عظيما ومات عظيما ، وهذا حال العلماء الربّانيين ، جمعنا الله بك يا شيخنا في جنّات النعيم . آمين.