Feat

Searching...

فن المقالة

أبريل 14, 2012

تـمـهـيـد :
            قـبـل أن أعـرّفـك أخـي الـطّـالـب بـفـن الـمـقـالـة. نـطـرح عـلـيـك سـؤالاً حـول مـا سـبـق أن تـنـاولـتـه فـي الـسّـنـتـيـن الأولى والـثـانـيـة الـثـانـويـتـيـن.
- مـاهـي أهّـم فـنـون الـنّـثـر الـعـربـيّ الـقـديـم لا سـيـمـا فـي الـعصـريـن الأمويّ والعّباسي والتي يمـكن إدراجها تحت الأدب الـمـقـالـي:
- رسـائـل إاـى الـكـتـاب = عـبـد الـحـمـيـد الـكـاتـب.
- الـرّسـائـل الإخـوانـيـة والعلـمية = ابن الـعمـيد وابن الـخـطـيـب.
- الـمـقـامـات = بـديـع الـزمـان الـهـمـذانـي، الـحـريـريّ.
- مـقـالات = الـجاحـظ ( الـبـخـلاء ).
- ابـن الـمـقـفـع ( الأدب الـصـغـيـر..الأدب الـكـبـيـر ).
هـل بـقـيـت هـذه الـفـنـون عـلـى حـالـهـا؟ هـل عـرفـت جـمـودا وانـحـصـارا؟ ومـتـى كـان ذلـك؟
إن هـذه الـفـنـون عـرفـت جـمـودا وانـحـطـاطـا فـي عـصـر الـضـعـف حـيـث اقـتـصـرت عـلى الـرّسـائـل الإخـوانـيـة، وبـعـض الـمـحـاولات فـي فـنّ الـمـاقـامـات، والـنـثـر الـعـلـمـيّ فـي بـدايـة عـصـر الإنـحـطـاط، وهـذا بـأسـالـيـب كـثـر فـيـهـا الـزخـرف الـلـفـظـيّ و الـمـحـسـّنـات الـبـديـعـيـة والـتـعـابـيـر الـركـيـكـة، وحـتـى شـيـوع الـعـامـّيـة والألـغـاز والأحـاجـي...إلـخ.
- هـذا فـي عـصر الضّعف (الإنحطاط) فماذا استجّد في عصر الـنـهـضـة ؟

1 - حالـة النّـثـر عـنـد مـطـلـع الـنّـهـضـة الحديـثـة :
إنـه بـمـجـرّد أن أشـرفـت عـلى أمـتـنـا الـعـربـيـّـة بـوادر الـنـهـضـة الأدبـيّـة الـحـديـثـة، عـاد لـلـنـثـر وفـنـونـه، وجـهـه الـمـشـرق، وتـحـرّر مـن قـيـود الـصّـنـعـة، وركـاكـة الأسالـيـب، وظـهـرت فـنـون نـثّـريـة كـالـقـصـة والـمـقـالـة عـلـى سـبـيـل الـمـثـال لـم يـعـهـدهـا الـعـرب مـن قـبـل، بـالـرّغـم مـن الـمـحـاولات الـتـي قَـام بـهـا بـعـض الـكـتَّـاب والأدبـاء فـي الـعـصـور الـسَّـابـقـة [ الـعـصـر الـعـبـاسـيّ ] ...ولـكـن لـم يـكـن مـن الـمـمـكـن أن يـظـهـر هـذا الـتـطـوّر فـجـأة بـل لـقـد مـرَّ الـنـثـر الـعـربّـي الـحـديـث بـمـراحـل.
فـمـا هـي أهـمّ هـذه الـمـراحـل ؟

2 - الـمـراحـل الـتـي مـرُّ بـهـا الـنـثـر الـعـربـي :

2 - 1 - الـمـرحـلـة الأولــى : يـمـثـلـهـا كـتّـاب الـصُّـحـف الـرّسـمـيـة الـتـي أصـدرتـهـا الـدّولـة " كـالـوقـائـع الـمـصـريـة " و " وادي الـنـيـل " والـتي كـان يـكـتـب فـيـهـا، رفـاعـة الـطـهـطـاوي مـخـائـيـل عـبـد الـسَّـيـد، وغـيـرهـمـا مـن الـكـتَّـاب الـذيـن كـان أسـلـوب مـقـالاتـهـم أقـرب إلـى أسـالـيـب عـصـر الانـحـطـاط يـزهـو بـالـسَّـجع والـزّخـرف الـلّـفـظـي ... وتـركـزت مـعـظـم مـقـالاتـهـم عـلـى الأحـوال الـسَـيـاسـيَّـة ثـمّ الأحـوال الإجـتمـاعـيّـة فـي الـمـقـام الـثـانـي.

2 - 2 - الـمـرحـلـة الـثـانـيـة : عـكـسـت مـقـالات هـذه الـمـرحـلـة اهـتـمـامـات الـجـمـاهـيـر بـمـخـتـلـف فـئـاتـهـا وطـبـقـاتـهـا، بـتـأثـيـر مـن حـركـة الإصـلاح الـتـي قـادهـا جـمـال الـدّيـن الأفـغـانـي، ومـحّـمـد عـبـده وبـعـدهـمـا ابـن بـاديـس والـبـشـيـر الإبـراهـيـمـيّ [ الـجـزائـر] حـيـث بـدأت الـمـقـالـة تـتـخـلّـص تـدريـجـيًّـا مـن قـيـود الـسّـجـع والـصّـنـعـة الـلـفـظـيـة، وتـعـطـي الأسـلـوب صـبـغـة يـفـهـمـهـا الـجـمـيـع.

2 - 3 - الـمـرحـلـة الـثـالـثـة : فـي هـذه الـمـرحـلـة ظـهـرت طـلائـع الـمـدرسـة الـصّـحـفـّيـة الـحـديـثـة الـتـي نـشـأت فـي ظـلّ الاحـتـلال الأوروبّـي، وتـأثـرت بـالـنـزعـات [ الاتـجـاهـات ] الـحـزبـيّـة ويمثـل هـذه المرحلة : الكـواكـبّـي، الـرّافـعـي، مـحـمـد عـبـده، طـه حـسـيـن، خـلـيـل مـطـران، وغـيـرهـم مـمـن قـادوا الـحـركـة الـفـكـريّـة والأدبـيّـة والإجـتـمـاعـيـة - وخَـطـت هـذه الـمـدرسـة بـأسـلـوب الـمـقـالـة خـطـوات جـبّـارة، حـيـث حـرّرتـه مـن قـيـود الـصّـنـعـة، وصـار حـرًّا طـلـيـقـًا بـسـيـطًـا، سـهـلاً، وجـعـلـتـه يـهـتـم بـالـمـعـانـي والـبـعـد عـن الـزخـرفـة والـعـبـث الـبـديـعـيّ.

2 - 4 - الـمـرحـلـة الـرابـعـة : يـمـثّـلـهـا جـمـاعـة مـن الأدبـاء الـذيـن أخـذوا بـحـظ وافـر مـن الـثـقـافـة الـغـربـيّـة، فـي فـتـرة اسـتـقـام فـيـهـا أسـلـوب الـتـعـبـيـر الـعـربـيّ بـعـض الـشـيء عـلـى يـد مـمـثّـلـي الـمـرحـلـة الـسَّـابـقـة، ونـزعـت إلـى الـتـحـرّر والـتـخـلّـص مـن كـلّ قـيـد، وتـوخـيّ الأسـالـيـب الـغـربـيّـة الـعَـالـمـيـة، والـمـعـانـي الـدّقـيـقـة، بـعـبـارات سـهـلـة، تجري على الـطّـبـع ومـقـتـضـيـات الـحـال.
ومـن بـيـن أدبـاء هـذه الـمـرحـلـة : أدبـاء الـمـهـجـر، الـعَّـقـاد وطـه حـسـيـن ومـخـائـيـل نـعـيـمـة ... ومـمّـا يـمـيّـز هـذه الـمـرحـلـة كـذلـك ظـهـور الـصّـحـف والـمـجـلاّت بـكـثـرة، والـتـي تـركـت آثـارهـا في الـحـيـاة الـفـكـريـة والأدبـيّـة مـعًـا.
- أمّـا فـي الـجـزائـر فـقـد ظـهـر الـمـقـال بـأنـواعـه قـبـيـل الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولـى، وعـرف ازدهـارًا بـيـن الـحـربـيـن عـلـى يـد رجـال الإصـلاح الـدّيـنـي بـصـورة خـاصّـة [ ابـن بـاديـس، الإبـراهـيـمـي، الـتـبـسـي ].
- بـعـد هـذه الـعـجـالـة عـن أهّـم الـمـراحـل الـتـي مـرّبـهـا الـنـثـر فـي الـعـصـر الـحـديـث، نـطـرح
هـذا الـسـؤال : مـاهـي الـمـقـالـة ؟
- أجـب بـنـفـسـك عـن هـذا الـسـؤال قـبـل أن تـطـلـع عـلـى الإجابـة الـتـي نـزّودك بـهـا وهـاهـي :

3 - الـمـقـالــة :
فــنّ مـن فـنـون الـتـعـبـيـر الـنـثـري الـحـديـث، كـثـر اسـتـعـمـالـهـا فـي أدبـنَـا الـعـربـيّ الـحـديـث، وهـي مـن تـمـرات الإتـصـال بـالـغـرب، وبـأدبـه فـي الـعـصـر الـحـديـث، ومـن أبـرز عـوامـل ازدهــارهـا مـخـتـلـف وسـائـل الإعـلام كـالـصّـحـف، والـمـجـلاّت...
وقـد تـنـاوَلـتْ الـمـقـالـة الـعـربـيّـة الـحـديـثـة - بـمـخـتـلـف أنـواعـهـا، ولاتـزال كـلَّ مـالـه صـلـة بـالـجـوانـب الأدبـيـّـة والإجـتـمـاعـيـة والـسّـيـاسـيـة والـعـلـمـيّـة والـنـقـديـة، وخـيـر دلـيـل مـا يـنـشـر يـومـيًـا عـلـى صـفـحـات الـجـرائـد والـمـجـلاّت، كـثـيـر مـنـهـا بـأقـلام جـادّة ...[ جـريـدة الـشـعـب، الـمـسـاء ... ].
- فـإلـى كــم عـنـصـر تـنـقـسـم الـمـقـالـة ؟

4 - عناصر المقالة : إنّهـا تـنـقـسـم إلـى ثـلاثـة عـنـاصـر هـي :
أ - الـتـمهـيد : وفـيـه يـوجـز الـكـاتـب عـنـاصـر مـوضـوعـه.
ب - الـعـــرض : وفـيـه يـتـنـاول الـعـنـاصـر بـالـتـفـصـيـل.
جـ - الـخـاتـمـة : وفـيـهـا يـنـتـهـي الـكـاتـب إلـى الـنـتـيـجـة الـتـي يـريـد الـوصـول إلـيـهـا...
والـمـقـالـة بـوجـه عـام تـتـمـيـّـز بـصـغـر الـحـجـم، ووحـدة الـمـوضـوع، وسـهـولـة الأسـلـوب... والـمـقـالـة أنـواع، فـمـا هـي أشـهـر أنـواع الـمـقـالـة ؟

4 - 1 - الـمـقـالـة الأدبـيــة : يـلـجـأ الـكـاتـب والأدبـاء إلـى أسـلـوب خـاصّ، يـصـوّرون فـيـه مـشـاعـرهـم وأحـاسـيـسـهـم تـجـاه الأشـيـاء والأحـداث، ولـكـل أديـب أو كـاتـب وجـهـة نـظـره فـي الـحـيـاة، ولـه انـطـبـاعـات مـعـيّـنـة نـحـو بـعـض الأحـداث أو الـمـنـاظـر ... يـتـنـاول الـحـديـث عـنـهـا، لا لـغـرض سـيـاسـّـي أو اجـتـمـاعـيّ، وانّـمـا مـن أجـل إبـراز قـيـم جـمـالـيـة وفـنـيَّـة دون مـراعـاة لـلـمـوضـوعـيـة أو مـطـابـقـة الـواقـع، وهـذا لا يـعـنـي أن الأديـب يـعـيـش بـعـيـدًا عـن أحـداث مـجـتـمـعـه أو هـو غـيـر مـلـتـزم ... ومـن أبـرز خـصـائـصـهـا :
* اسـتـعمـال أسـلـوب الإطـنـاب.
* اسـتـخـدام الـخـيـال الـمـولّـد لـلـصـور الـمـعـبّـرة عـن الـعـاطـفـة.
* اسـتـخـدام الـعـبـارات الـجـزلـة والألـفـاظ الـمـخـتـارة الـمـوحـيـة.
* عـمـق الأفـكـار ووضـوحـهـا.
* سـلامـة الـلّـغـة وصـحّـتـهـا.
ومـن كُـتّـاب الـمـقالـة الأدبـيـة : الـعـقـاد، مـي زيـادة، طـه حـسـيـن، الـبـشـيـر الإبـراهـيـمـي.

4 - 2 - الـمـقـالـة الإجـتـماعــيـة : دعـا إلـى ظـهــور هـذا الـنـوع، مـا كـان عـلـيـه الـعـالـم الـعـربـيّ مـن تـأخّـر اقـتـصـاديّ ومـعـنـويّ وخـلـقـي، مّــمـا تـولّـد عـنـه شـرور فـي الـمـجـتـمـعـات الـعـربـيّـة، لا سـيـمـا بـعـد اخـتـلاطـهـم بـالـغـرب وانـبـهـارهـم بـمـدنـيـتـه الـمـزّيـفـة، ومـجـاراتـهـم فـي كـثـيـر مـن قـيـمـه، ثـمَّ مـا جـرّتْـهٌ الـحـرب مـن ويـلات، ثـم مـشـكـلـة الـفـقـر والأسـرة والـعـمّـال والـشـبـاب ...الخ.
ومـن مـمـيـزات الـمـقالـة الإجـتـمـاعـيـة :
* صـحّـة الـعـبـارة، وقـصـد الـمـعـنـى، وجـلاء الـفـكـرة ...وبـسـاطـة الـتـعـبـيـر ومـن كُـتـاب هـذا الـنـوع : مـحـمـد عـبـده، جـمـال الـدّيـن الأفـغـانـي، قـاسـم أمـيـن، ابـن بـاديـس، الإبـراهـيـمـي ... جـبـران خـلـيـل جـبـران.

4 - 3 - الـمـقـالـة السَّـيـاسـيّـة : مـن الـعـوامـل الـتـي أدّت إلـى مـعـالـجـة الـمـقـالـة الـسـيـاسـيّـة، هـو مـاكـان عـلـيـه وطـنـنـا الـعـربـيّ الإسـلامـيّ، مـن ظـلـم وجـور، ثـمّ مـا أثـار الاسـتـعـمـار فـي نـفـوس الأحـرار، مـن غـيـظ ... ثـمّ مـا كـان مـن أثـر قـيـام الـجـمـعـيـات الـسَـيـاسـيّـة ونـشـاطـهـا كـمـا تـنـاول هـذا الـنـوع الـدّفـاع عـن الـشـعـوب الـمـضـطـهـدة والـدّعـوة إلـى الأخـذ بـنـظـام الـشـورى ومـحـاربـة الاسـتـعـمـار، وإثـارة الـحـمـيَّـة الـوطـنـيـة فـي الـشـعـوب
الـمـسـتـعـبـدة، ومـن أهـمّ خـصـائـصـهـا :
            * الـبـعـد عـن الـتـكـلّـف.
            * سـهـولـة الألـفـاظ ووضـوح الأفـكـار.
            * ذكـر الـبـراهـيـن والـحـجـج..
ومـن الـذيـن كـتـبـوا فـي هـذا : جـمـال الـدّيـن الأفـغـانـي، الـمـازنـي، الـرّافـعـي، ابـن بـاديـس...  ثـم مـئـات الـكـتـاب عـلـى صـفـحـات الـجـرائـد الـيـومـيَّـة والأسـبـوعـيَّـة...

4 - 4 - الـمـقـالـة الـنـقـديّــة : إنّ الـمـقـالـة الـنـقـديّـة تـخـتـلـف عـن غـيـرهـا مـن الـمـقـالات، إذ تـرتـبـط أسَـاسًـا بـالأدب، فـتـحـلّـلـه وتـقـومـه، وتـذكـر مـا فـيـه مـن إيـجـابـيـات وسـلـبـيـات، وكـثـيـرًا مـا نـتـنـاول الـمـقـالـة الـنـقـديّـة ديـوان شـعـر أو قـصّـة أو مـسـرحـيـة أو أي عـمـل أدبـي آخـر، وتـطـبـق عـلـيـه نـظـريـات الـنـقـد وتـعـطـيـه أحـكـامًـا، ولـلـمـقـالـة الـنـقـديّـة جـانـبـان : أحـدهـمـا مـوضـوعـي، وهـذا عـنـدمـا يـسـتـخـدم الـنـاقـد عـرض نـظـريـة فـي الـنـقـد، أمّـا ثـانـيـهـا فـهـو ذاتـي، وهـذا عـنـدمـا يـصـدر مـن الـنـاقـد انـطـبـاع خـاصّ حـول أديـب مـا...وقـد اشـتـهـر فـي هـذا الـفـن : الـزيّـات، والـعـقـاد، ومـحـمـد مـنـدور...

4 - 5 - الـمـقـالـة العـلـمـيَّــة : تـعـالـج الـمـقـالـة الـعـلـمـيـّة مـخـتـلـف شــؤون الـعـلـم، فـتـشـرح قـواعـده، وتـفـصَّـلُ غـوامـضـه، وتـجـلـو عـقـده، ومـن كـتَّـاب هـذا الـنـوع : أحـمـد زكـي وأحـمد أمـيـن ومـن أهـم خـصـائـصـهـا :
* تـوخّـي الـوضـوح والـمـنـطـق قـصـد الإقـنـاع والـبـيـان.
* لا تـعـتـمـد عــلـى الـخـيـال إلاّ بـقـدر مـا تـوضـح حـقـيـقـة مـن حـقـائـق الـعـلـم ومـا إلـيـهـا.
* تـعـتـمـد أسـلـوب الـمـسَـاواة بـحـيـث تـكـون الألـفـاظ عـلـى قـدر الـمـعـانـي.