قناة الجزيرة.. بين الإفراط و التفريط
شعب يُحتضر ، و آخر ينتحر ، و ذاك ينفجر ، و هذا ينتصر ، و الباقي ينتظر . ربما هي الكلمات الأقرب ، لوصف حالنا من الخليج إلى المغرب ، و ربما لو قيل لي قبل سنتين من الآن ، بأن الشعوب العربية ستنفض عنها الغبار ، و أن الأنظمة ستنهار ، و يكشف عنها الستار ، و القناع المستعار ، و أنها ستتحول بالعار ، من المطارد إلى الفار ، و من الأمر و النهي ، إلى السجن و النفي ، و من الأبراج و القصور ، إلى الحفر و القبور ، لو قيل لي هذا ، لقلت بأنه حلم أقرب إلى الوهم ، حلال رؤيته ، حرام روايته .
شعوبنا أرادت ، و كان لها ما أرادت ، رغم المصاعب و المصائب و المتاعب ، و رغم الحصار الإعلامي الذي ضرب عليها في البداية ، و ما رافقه من تشتيت و تشويش ، و تشويه و تحريش، و ما قد يفهم من ورائه ، هو أن النظام ، زاوج بطريقة غير شرعية بين السلطة السياسية ، و السلطة الإعلامية ، ليثبت بذلك إدانته بنفسه ، و يعترف مكرها ، بأن الإعلام ، لا يعدو أن يكون مجرد خاتم في إصبع النظام .
و بين قوة الإرادة الشعبية ، و إرادة القوة الحكومية ، و بمقتضى قانون التضاد ، و تضاد القانون، دخلت قناة الجزيرة ، كطرفٍ في الصراع ، و هي التي يستحيل أن تغيب عن المحافل الدموية ، و لم يسبق لها أن رفضت هكذا دعوة ، و لم يسبق لها أن تلقت هكذا دعوة ، لأنها ببساطة ستحشر أنفها ، رغم أنوف الجميع .
الجزيرة ، أرعبت حكامنا ، و أربكت أحكامنا ، و هي التي أثارت الكثير من علامات الاستفهام حول تغطيتها للثورات العربية ، و ما أوله البعض ، على أنه يعبر بوضوح عن الموقف السياسي لدولة قطر ، و ما أثار الشبهات ، هو تعاطيها للأحداث بمكيالين متناقضين ، الشيء الذي جعلنا نعيد حساباتنا تجاه قناة ، لم تخاطب عقولنا ، بقدر ما خاطت قلوبنا .
في تونس ، قالت الجزيرة بأن ثورة الياسمين ، ولدت من رحم الخضوعو الدكتاتورية ، و أنها ثورة شعب أراد الحياة ، فاستجاب له القدر . و في مصر ، تحدثت عن فساد في السلطة ، و ماتبعه من مشاريع لتوريث الحكم . و في ليبيا ، صورت لنا القذافي على أنه شخص أهبل ، و نشرت غسيله على المكشوف ، بنوع من التجريح و التشريح . و في اليمن أرادتنا أن نفهم بأن الثورة اليمنية ليست إلا امتدادا لما حدث في الشمال الإفريقي . و في سوريا ، أثارت القناة ضجة واسعة في الأوساط هناك ، بداية من تجاهلها للثورة و إعطائها عدة تسميات قزمت كثيرا من حجمها ، قبل أن تتدارك نفسها ، وتتعاطى الأحداث بنفس الطريقة التي عكفت عليها في الدول السابقة .
القناة القطرية ، لم تتجرأ على كشف ما يحدث في السعودية ، و عن المظاهرات التي أوقعت عديد القتلى في شرق المملكة ، و لم تكن تملك الشجاعة الكافية لتقول عن المظاهرات في البحرين، بأنها ثورة شعب ، و اكتفت بقول أنها فتنة طائفية .
التغطية الإعلامية لقناة الجزيرة ، شابتها الكثير من الأشياء ، و اعتراها الغموض و الشك ، و انتابها التذبذب و الريب ، و بات واضحا أنها فقدت سيادتها و استقلاليتها ، ما يعني أنها خسرت مصداقيتها و مهنيتها و شفافيتها ، و فقدت معها ثقة أناس أعطوها آذانهم و أذهانهم .
الربيع العربي ، كشف عورة القناة ، و أسقط سترها ، و فضح سرها ، و فتح أعيننا على حقائق ، ما كان لنا أن نتوقعها ، و ما كان لها أن تتجلى ، في ظل الخدع السينمائية التي تتقنها ، و ما يجري خلف الستار ، و ما يحاك في الكواليس ، و ما يلعب في الخفاء ، و ما يصنع في قاعات التحرير ، و ما يفبرك في الأستوديوهات ، و ما قد تفعله قناة ، ولدتها السياسة ، و تبناها الساسة.
وما بين ثورة أقبلت ، و ثورة أدبرت ، كانت الجزيرة تتجسس على قرارات أنفسنا ، و تصادر مواقفنا ، و تسلب آراءنا ، لأنها ببساطة تلعب على عواطفنا ، ما يعني أنها تحاول تنويمنا مغناطيسيا ، أو جعلنا دمى تحركها أصابعها .
و بين تحريض الشعوب ضد الأنظمة ، و تحريض الأنظمة ضد الشعوب ، كانت الجزيرة تصعد نحو الهبوط ، فكلما زاد موقفها ، نقص أداؤها ،و كلما نقص أداؤها ، نقصت مهنيتها ، و مصداقيتها، ما ينذر بطلاق بينها و بين المتابعين لها .
في تونس ، بدأت الاحتجاجات ، و من تونس بدأت مهازل الجزيرة ، ففي الأيام الأولى للثورة التونسية ، كانت الجزيرة ، لا تعدو أن تكون مجرد ناقل متحفظ للأحداث ، لأنها لم تكن لتغامر من اللحظات الأولى ، أو بالأحرى ، لم تكن لتدعم الشعب ضد النظام ، ما لم يتبين موقف كبار العالم إزاء ذلك ، و الذي يعد بمثابة الضوء الأخضر الذي تنتظره الجزيرة .
و فعلا ، فبمجرد خروج ساركوزي عن صمته ، و تبييت نيته في التخلي عن ابن علي ، سارعت الجزيرة إلى التعبئة الشعبية ضده ، و تحاملت عليه بشكل واضح و فاضح ، ما لا يدع مجالا للشك في أن مصير الثورة ، لم يعد بيد النظام و لا بيد الشعب ، بقدر ما هو معادلة تسمى ساركوزيرة ، طرفها الأول ساركو ،و طرفها الثاني الجزيرة .
انتهاء الثورة التونسية ، لا يعني انتهاء تعتيم الجزيرة ، و لكن هذه المرة ، ضد الشعب ، فحي القاصرين ، الذي كان مسرحا لأهم أطوار الثورة ، و الذي انطلقت منه الجزيرة في تغطيتها ، و مجدته يومها ، لم تعد تذكره الآن ، رغم أنه يعيش أحداثا أسوأ من أحداث نظام بن علي ، فمنذ وصول المرزوقي إلى الحكم ، شهد حي القاصرين أكثر من خمس حالات انتحار ، ناهيك عن الاحتجاجات اليومية ، و هو ما ترويه الحقوقية و الناشطة السياسية ، لينا بن مهني ، و التي رشحت لنيل جائزة نوبل للسلام .
و في مصر ، كانت الجزيرة ، بمثابة الشوكة في حلق مبارك ، و هي التي أذلت كبرياءه ، و رغم المضايقات التي تعرضت لها بالقاهرة ، إلا أنها تمكنت من ممارسة هوايتها المفضلة ، و المظللة، و خصصت برنامجا خاصا عن الأحداث ، يبث مباشرة من القاهرة ، إضافة إلى فتحها لخطين هاتفيين مخصصين ظاهريا للتبليغ عن التجاوزات الحاصلة ، و لا أحد سيفرق بين التجاوزات الفعلية ، و التجاوزات المفتعلة .
سقط النظام في مصر ، و دخلت البلاد مرحلة جديدة من تاريخها ، بداية لا تبشر بالخير ، و لا تبعث على الأمل ، فالانتخابات هناك كانت مزورة بطريقة أخبث من طرق النظام السابق ، بل إنها أغرب انتخابات في العالم ، تعطي السلطة لمن يحصل على أقل نسبة من أصوات الشعب ، فحزب الإخوان ، احتل المركز الثاني ، و بفارق خمس أصوات عن الأول ، لكنه كان هو الفائز ، فهل ثار المصريون ضد تزوير الانتخابات ، أم من أجل تزويرها ؟ لا تعجبوا فالجزيرة هي من زورتها ، بالاتفاق مع المخابرات الأمريكية ، و هو ما يثبت صحة الوثائق المسربة من موقع ويكيليكس ، و التي مفادها ، أن مسؤولا إسرائيليا رفيع المستوى ، التقى سريا بوزير الخارجية القطري ، الذي كشف له عن تبني الدوحة خطة لضرب استقرار مصر ، و أن الجزيرة ستلعب دورا محوريا في ذلك .
و يظهر شريط فيديو ، الأمير القطري في لقاء جمعه بتسبي ليفني ، يوم كانت رئيسة الوزراء في إسرائيل ، للتباحث في قضايا ، تهم إسرائيل ، بالدرجة الأولى ، و كان الأمير يترجى الإعلام الصهيوني بعدم نشر تلك اللقطات .
الجزيرة، أخطأت عمدا ، في مكان يكلف البطاقة الحمراء ، و لا يقبل التأويل ، مهما كان الحكم منحازا ، و هي التي فبركت منظرا للساحة الخضراء بليبيا ، مدلوله أن المعارضة هناك تسيطر على الوضع ، رفقة حلف الناتو ، الذين أظهرهم المشهد يحتفلون في الساحة الخضراء و باب العزيزية، لكن القذافي ، شن هجوما معاكسا بدفاع متقدم ،أربك الجزيرة ، و دفعها للإقرار بأن ما فعلته كان ضمن الخطة المتفق عليها مع مصطفى عبد الجليل ، رئيس المجلس الليبي الانتقالي ، يهدف إلى زعزعة القذافي نفسيا ،ما يعني تحول قناة الجزيرة ، من ناقل للأحداث إلى فاعل فيها .
شاهد العيان ، سحر انقلب على الساحر ، كذلك هو الحال بالنسبة للجزيرة ، و هي التي بثت شهادات حية ، تدين نظام القذافي في جرائم قتل بشعة ، تبين فيما بعد ، بأنها مجرد تلفيق و تزوير، ليتحجج مدير القناة ، متهما شاهد العيان بالكذب ، ما يفتح المجال واسعا أمام التشكيك في كل شهود العيان ، الذين أدلوا بشهاداتهم من منبر الجزيرة ، فقد يكون من شهود العيان، شهود عميان، أو بالأحرى، شهود لم يشاهدوا شيئا، و هو ما يسقط منهم حق الشهادة شرعا و عرفا و قانونا.
الجزيرة، لم ترحم عزيز قوم ذل، و هي التي تهوى الاصطياد في المياه العكرة، فراحت تطارد القذافي، زنقة زنقة، دار دار، بيت بيت، شبر شبر، قبر قبر، و استغلت تهريفه و تخريفه، و تحينت هفواته و سقطاته، و استثمرت في خزعبلاته و ترهاته، و استدمرت في أرضه و عرضه، و ساهمت بشكل كبير في وضع نهاية دراماتيكية لرحلة ثورة ماراطونية.
و بين إفراط و تفريط ،كانت قناة الجزيرة تتعاطى المشهد السوري ، و لئن كان التفريط نوعا من التعتيم ، و جريمة في حق الشعب الثائر ، فإن الإفراط نوع من التضليل ، و جناية في حق النظام و إن كان جائر . إفراط الجزيرة ، كان في تغاضيها عن الأحداث منذ البداية ، و هي التي وصفتها بأنها فتنة طائفية بعثية ، الأمر الذي جعلها تتعرض لانتقادات لاذعة ، من قبل نشطاء و حقوقيين، إضافة إلى ضغط بعض صحافييها السوريين ، الذين هددوا بالاستقالةالجماعية ، إذا بقيت القناة متمسكة بالإغلاق الإعلامي على سوريا .
الجزيرة ، رضخت للشروط ، و انقلبت من النقيض إلى النقيض ، و صارت تشهر بالنظام ، وتصنع من الحبة قبة ، و كثيرا ما وقعت في الأخبار المغلوطة ، و غالبا ما روجت لشائعات تستهدف إسقاط النظام ، لتجد نفسها أشبه بحزب سوري معارض .
سقطات الجزيرة، كثيرة ، و لعل أبرزها ما تناولته زعما ، حول مقتل فتاة سورية تسمى " زينب الحصني " ، و التي قالت الجزيرة يومها، بأنها ماتت في سجن سوري تحت تأثير التعذيب ، و أن النظام السوري مثل بجسدها ، و قطع رأسها و أطرافها و سلخ جلدها ، و أن القناة حفاظا على حرمة الفتاة ، و مشاعر مشاهديها لن تعرض صورها ، و هو ما شكل صدمة لدى فئات تابعت الخبر على شاشة القناة القطرية ، و كم كانت صدمتهم أكبر ، حين أطلت زينب على شاشة الفضائية السورية حية ترزق ، مفندة كل الشائعات ، و موضحة بأنها غادرت بيتها لتستقر عند أقاربها .
مهازل الجزيرة ، تواصلت كذلك في اليمن ، حين بثت مقطع فيديو ، يظهر تعرض المساجين للتعذيب ، مدعية أنه مأخوذ من السجون اليمنية ، و هو ما أحدث زوبعة لدى الرأي العام ، الذين اتفقوا جميعا على شناعة الصور ، و ما لبثوا أن غيروا آراءهم ، و اتفقوا هذه المرة على شناعة القناة ، لأن الفيديو اتضح بأنه مسرب من السجون العراقية .
و ما يلحظه الأعمى حول تغطية الجزيرة ،هو اعتمادها على شاهد العيان ، الذي إن صدق مرة، سيكذب ألف مرة ، و إن لم يكذب ، فلا بديل لأهل الجزيرة عن التأويل و التهويل.
صور ما حولك ، أو بالأحرى ، زور ما حولك ، خدمة أطلقتها الجزيرة ، لتدعيم مصادر الخبر لديها ، و ربما من أجل سبق صحفي يثير الكثير من الجدل و اللغط ، لأنه ليس بإمكان أحد أن يضمن صحة ما يعرض ، و لا أحد سوف يتحمل مسؤوليته ، ما دام للمرسل حرية مطلقة في الفبركة ، و ما دام مجهول الهوية في أغلب الأحيان ، و ما دامت للقناة رغبة جامحة في العرض ، و لو على حساب المصداقية و المهنية .
و ما تعاب عليه الجزيرة ، أو قناة الرأي و الرأي الآخر، هو استضافتها لطرف واحد من النزاع ، و تغييب الطرف الآخر ، بمعنى تبيان رأي واحد ، و إقصاء الرأي الآخر ، ما يوحي بأحادية المعالجة الإعلامية ، و حيادها عن الحياد ، ففي المواقف التي لا مواقف فيها ، تتبنى الجزيرة بالتلميح، ما تتبناه قطر بالتصريح .
و أما الضربة التي قصمت ظهر الجزيرة ، فكانت مقطع فيديو ، يظهر المقدم بالقناة علي الظفيري، و هو يحث المفكر عزمي بشارة على تبييض وجه القناة ، و تأجيج الأوضاع في سوريا ، فماذا نسمي هذا التصرف ؟ حيادا ، شفافية ، مهنية ، أم تطرف ؟
مسلسل فضائح الجزيرة يتواصل ، و هذه المرة ، مع الاستقالات التي زلزلت بيت القناة ، بداية من غسان بن جدو الذي رفض العمل تحت ما أسماه بالسقوط المهني المريع للجزيرة ، إضافة إلى استقالة حافظ الميرازي ، مدير مكتب القناة في واشنطن ، و يسري فودة ، مقدم برنامج "سري للغاية "، و كذا عبد العزيز عبد الغني مدير مكتبها في القاهرة ، و يوسف الشريف مدير المكتب بإسطنبول ، و أكرم خزام مدير مكتبها بموسكو ، إضافة إلى استقالة جمانة نمور ولونة الشبل و لينا زهر الدين ، و لم تكن تلك الاستقالات ، إلا تعبيرا من أصحابها عن رفضهم للسياسة الإعلامية للجزيرة .
الفضيحة الأكثر دويا في أروقة الجزيرة ، كانت عندما نشر الويكيليكس وثائق تثبت تعامل القناة مع المخابرات الأمريكية ، و أن وضاح خنفر يوم كان مراسلا للجزيرة ، اجتمع بمسؤولين أمريكيين ، أحدهما كان السفير الأمريكي بالدوحة ، إضافة إلى مسؤول قطري ، و دام الاجتماع قرابة اليوم ، أفضى إلى تعيين خنفر ، مديرا عاما للقناة ، شريطة خدمة المصالح الأمريكوإسرائيلية هناك ، و أوضحت الوثائق ، أن وضاح رضخ لطلب المخابرات الأمريكية في 2005 ، بسحب صور القوات الأمريكية في اشتباكاتها بالعراق و أفغانستان ، من موقع الجزيرة ، تلك التسريبات ، جعلت خنفر يستقيل من منصبه ، ما يثبت صحة الوثائق المسربة ، و من يدري لعل الويكيليكس يعيد الكرة، و يسرب هذه المرة، وثائق تثبت ضلوع القناة في الثورات العربية ؟
قد أكون مضطرا لتبرير تهكمي على القناة، و قد أكون ملزما بتوضيح موقفي و نظرتي تجاهها، و مهما يكن من أمر، فإنني لست حاقدا أو جاحدا، إن سلطت لساني على الجزيرة، و لست ناكرا أو ماكرا، إن تعرضت لها بالانتقادات، و لن أكون متغطرسا أو طفيليا، لو رميتها بنَبل الانتقاص، في نُبل الكمال، لأن الجزيرة ـ ببساطة ـ بزنست في آلام الشعوب، و استثمرت في جراحهم، و استدمرت عقولهم، و استعمرت قلوبهم، و استغلت ثورات، ولدت بعد مخاض عسير، و جراحة قيصرية، و هي التي ضحت بالمهنية و الحياد و الشفافية، و اشترت الذمم، و شرت الضمائر، لتكتب اسمها في سجل الثورات بأحرف من دماء.
انتقاد الجزيرة، لا يعني تماما انتقاصا من قيمتها و وزنها و ثقلها، و لا يعني أيضا مساسا بأدائها الإعلامي، بقدر ما هو لوم و عتاب، و خربشة لا تكاد ترى، بقلم جف حبره، و تعبير عن امتعاض، تجاه موقفها الإعلامي، بعبارات عابرة، و كلمات صامتة، لا تدمي مقلة الجزيرة، و لا تطرق آذانها، و لا تهز كيانها، و لا تجرح كبرياءها، ما دامت أعظم امبراطورية إعلامية في العالم، و لو أن الأشياء الخارقة للعادة، هي المثيرة للجدل و الأكثر عرضة لمد الإشادات و جزر الانتقادات.
قد نستسيغ أخطاء الجزيرة، و هفوات إعلامنا عموما، كونه ليس متعودا على أزمات من هذا النوع، و أحداث من هذا الحجم، لكن، ما لا يمكن استساغته، هو أن تكلفنا تلك الأخطاء حمامات الدماء، و مقابر جماعية، و لا نريد أن يرتكب الإعلام مجازر إعلامية، حتى لا ترتكب في حقنا مجازر إنسانية، لا نريده كذلك أن يغتال فينا الطموح، أو يثبط عزائمنا، أو يصيب آمالنا في مقتل، لا نقبله مفتريا أو مزدريا، و لا مضخما أو مقزما، و إلا فليرم المنشفة، و شكر الله سعيه.
الحديث عن معاناة الشعوب، لا يقتصر فقط على تونس و مصر و اليمن و ليبيا و سوريا، لكنه أيضا حديث عن شعوب أخرى، عميت عليها حقائقها، و زينت لها أوضاعها، و زيف لها واقعها، و غيب عنها حاضرها، هو أيضا حديث عن الجزائر و المغرب، و الصحراء الغربية و موريتانيا، و السودان و الصومال، و إيريتريا و إثيوبيا، و لبنان و الأردن، و الكويت و الإمارات، و قطر و عمان، و البحرين و السعودية، و أفغانستان و إيران، هو حديث بالدرجة الأولى عن العراق و فلسطين، هذا هو حالنا الذي لا يقبل التأويل، و واقعنا المهول دون تهويل.