بدأت الشعارات السياسية المتصلة بمطالب العدالة ودولة القانون وحقوق المواطنة والحريات السياسية والمدنية والإعلامية، تجد لها حيزا في المسيرات والاعتصامات الشبابية في الجنوب، بعدما ظلت المسيرات الأولى محاطة بشعارات ومطالب اجتماعية.
شكلت مسيرة ''إقامة دولة العدل والقانون'' الحاشدة التي شهدتها مدينة وادي سوف أول أمس، منعطفا وتحولا ملفتا في طبيعة الشعارات والمطالب المرفوعة، منذ بدء الحراك الشعبي والشباني في منطقة الجنوب، من شعارات ومطالب اجتماعية متعلقة بالشغل والسكن والتنمية، إلى مطالب ذات صبغة سياسية لا تنفصل عن المطالب الاجتماعية، وتضمنت ملصقة الدعوة إلى مسيرة وادي سوف، نص المادة 32 من الدستور التي تشير إلى أن ''الحريات السياسية وحقوق المواطنة مضمونة''، وكذا المادة 41 التي تنص على أن ''حريات التعبير وإنشاء الجمعيات والاجتماع مضمونة''.
ورفعت خلال المسيرة شعارات سياسية صرفة، تتعلق بالمطالبة بـ''إقامة دولة العدل والقانون'' و''الشعب يريد دولة القانون'' و''الإعدام لمختلس المال العام''، والمطالبة بـ''العدالة الاجتماعية'' و''إنهاء حكم العسكر'' و''الحريات النقابية''، إضافة إلى إعادة طرح مطالب سياسية تخص فئات متضررة من المأساة الوطنية كالمفقودين.
وفي منحى المطالب السياسية، اتخذت المسيرة الشعبية التي شهدتها مدينة المنيعة قبل يومين، شعار ''الحق في المواطنة لسكان الجنوب''، تعبيرا عن عقدة إحساس سكان المنطقة بعدم استكمال حلقة حقوق المواطنة الكاملة بما فيها الحقوق السياسية، المتعلقة بالتمثيل في المؤسسات المنتخبة والحق في الإعلام والصحف التي تصل متأخرة بيوم كامل إلى المنطقة، إضافة إلى الحقوق الأخرى المتعلقة بالصحة والشغل والتربية.
وفي نفس السياق، لم تكن مسيرة غرداية التي جرت في 27 مارس المنصرم ذات مطالب اجتماعية، فقد اتخذت بعدا سياسيا، وكرست مشهدا لممارسة الرقابة الشعبية على صرف المال العام والشفافية في تسييره وصرفه في الأوجه ذات الأولوية، حيث اتخذت المسيرة من المطالبة بإلغاء المهرجان الفولكلوري ''عيد الزريبة'' هدفها الرئيس، بسبب ما يصفه منظمو المسيرة ''إنه مناسبة لهدر المال العام في الوقت الذي تعيش فيه الولاية تأخرا في التنمية وعدم استفادة منكوبي فيضان 2008 من التعويضات وإعادة الإسكان''.
ويعلق رئيس اللجنة الوطنية للبطالين، الطاهر بلعباس، في تصريح، على تحول الشعارات من المطلب الاجتماعي إلى السياق السياسي: ''نرفع الشعارات السياسية ونمارس السياسة التي تمكننا من حل مشاكلنا، هذا من حقنا ولن نتحرج من ذلك، نحن نريد أن نوجه رسالة إلى السلطة، مفادها أنه إذا عجزت الحكومة عن حل مشاكلنا فمن حقنا أن نطالب بإسقاط الحكومة والوزراء''. وأضاف بلعباس: ''قلنا في اللجنة وسنقول بوضوح، إذا عجزنا عن تحصيل مشاغلنا الاجتماعية ووجدنا أن تبني مطلب سياسي هو الحل لمشاكلنا سنتبناه''.
ويعتقد المراقبون أن هذا التطور اللافت في المطالب والشعارات له صلة بتطور في الاتساع الجغرافي للمناطق والولايات التي شملها الحراك، ومع أن سقف الشعارات السياسية التي ظهرت أولا في المطالبة برحيل الوزير الأول عبد المالك سلال في مسيرة ورفلة في 14 مارس الماضي، لم يرتفع إلى أقصى حد ممكن، كالمطالبة بتغيير النظام، إلا أن المعالجات الترقيعية والتقليدية التي لجأت إليها الحكومة إزاء المطالب الاجتماعية المرفوعة، وانحيازها إلى التعامل مع ما يوصفون بـ''أعيان الجنوب''، وإيفاد نواب البرلمان للاستماع إلى انشغالات الشباب، بدلا من الحوار المباشر مع الشباب الذي يدير الحراك الاجتماعي، قد تكون أسبابا كفيلة بنقل الحراك من المطلبية الاجتماعية إلى المطالبات السياسية.