Feat

Searching...

حقوق الأرحام

فبراير 27, 2012

بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : فسيكون حديثنا اليوم عن أمر عظيم وحق جليل كريم ، عن حق من الحقوق التي فرضها الله على الأزواج والزوجات ، لا يمكن أن تستقيم بيوت المسلمين وأن تتم الإلفة والمحبة والمودة إلا بالقيام بهذا الحق وأدائه على الوجه الذي يرضى الله- تعالى - هذا الحق وصى الله- تعالى - عبادة من فوق سبع سموات أن يتقوه وأن يتقوا الأرحام فقال-سبحانه وتعالى - : { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } . إنها الرحم خلقها الرحمن واشتق لها اسماً من اسمه فهو الرحمن وهي الرحم من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعة الله ، ومن قطعه الله فلا تسأل عن حاله في ضيعة وخسار ووبال-والعياذ بالله- ، هذا الحق هو حق الأرحام والدا الزوج ووالدا الزوجة وآل كل وقرابة كل . فرض الله- تعالى - على المؤمن أن يتقيه-سبحانه وتعالى - في الرحم وواجب على كل زوج إذا أراد أن يوفقه الله في زواجه وأن يسعده في أهله ونكاحه أن يحفظ حق قرابة زوجته وواجب على كل زوجه تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتقى الله في والدي زوجها وفي قرابته ، قال- صلى الله عليه وسلم - : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه )) فجعل الله- تعالى - صلة الرحم من الإيمان به لأنه لا يحفظ زوج حق رحمه ولا تحفظ زوجة حق رحمها إلا بباعث من الإيمان بالله- تعالى - هذا الحق وهو حق الأرحام قام به النبي- صلى الله عليه وسلم - على أتم الوجوه وأكملها وأفضلها وأحسنها فكان يصل قرابة زوجه ، وفي السير أنه كان جالساً مع أم المؤمنين عائشة-رض الله عنها وأرضاها- فسمع صوت امرأة تستأذن فقام- صلى الله عليه وسلم - كالفزع فإذا بها امرأة كبيرة وإذا به يقول إنها هالة إنها هالة أخت خديجة ، ذكرته-عليه الصلاة والسلام-بحبه وزوجه وذكرته بما بينه وبين أهله . هذا الحق فرضه الله على الزوج لكي يكون كريماً مع أهل زوجته ولن يستطيع الزوج أن يحفظ حق أهل زوجة إلا إذا كان في نفسه من صفاء القلب وحفظ العهد ورعاية الحق ما يعينه على ذلك . أول ما ينبغي على الزوج أن يتذكر حق والد الزوجة عليه ، حقه يوم اختاره من بين الناس زوجاً لابنته يوم أختاره من بين الناس كفؤاً كريماً يستر عورته ، يسترها ولا يفضحها ويكرم بنته ولا يهينها ولذلك أشبه الناس بالأب بناته كما ذكروا حتى قيل إن البنت الكبرى تشابه أباها . ذكرت عائشة-رضي الله عنها- كما في الصحيح مثالاً على ذلك فقالت-رضي الله عنها- : جاءت فاطمة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - والله ما تخالف مشيتها مشية رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، فالذي يختار الزوج ويرضى به زوجاً لبنته فإن هذا يدل عن حسن النية وعن حسن الظن الأمر الذي يوجب على الزوج أن يحفظ هذا الحق وأن يعتبره دينا عليه ، ولذلك كان بعض الفضلاء يؤذي من زوجته وتضره وما وقف يوماً من الأيام على أبيها يشتكي فلما عظمت أذيتها واشتدت بليتها قيل له هلا اشتكيتها إلى أبيها ، قال زوجني وأكرمني فاستحي أن اقف على بابه شاكياً . فإذا كان الإنسان حراً كريماً أعظم الإحسان وأجله ورده بمثله وأفضل منه وتلك سنة الأخيار ، وإذا تذكر الإنسان اختيار أهل زوجه له قابل ذلك بحسن المكافأة ورد الجميل وذلك من الإيمان كما قال-عليه الصلاة والسلام- : (( حفظ العهد من الإيمان )) . كذلك أيضاً عليه أن يتق الله في حقوق والدي الزوجة من الصلة والبر فصلة أهل الزوجة واجبة على الزوج كما هي واجبة على بنتهم وهي زوجته فلا يقطعهم من زيارة وإذا زارهم زارهم كريماً محباً مشتاقاً يظهر المحبة والمودة ويجعل من هذه الزيارة تأكيداً لما بينه وبين هذه الرحم من صلة ، فإذا نظر الله إلى ذلك رضي على صاحبه وجعل له الخير في حياته فنعمت عين الزوجة وهي ترى أهلها في كرامةٍ من بعلها الأمر الذي ينعكس بالآثار الحميدة في معاملتها لأهله ، وإذا زار رحمه فإن عليه أن يتوخى آداب الزيارة في مواقيتها . وكذلك في الدخول والاستئذان وفي الجلوس فيراعي الحرمات ولا يبالغ في الدخول إلى البيت والجلوس إلى ساعات طويلة والدخول في عورات البيت إلى غير ذلك مما لا يليق بالكريم ولا ينبغي للمؤمن بل عليه أن يزور زيارة يحفظ بها ماء وجهه ويكون متسربلاً بسر بال التقوى الذي يحبه الله ويرضى ، وإذا جلس مع رحمه أجله وأكرمه فإذا لقيه تبسم في وجهه حافظاً لعهده وكأنه ينظر إليه كوالده ، فالغالب أن والد الزوجة ينزل منزلة الوالد إما لكبر سن أو لعظم حق وهو جد أبنائه وجد لبناته فله حرمة عند الإنسان فيجله ويكرمه ويقدره وينزله منزلته ، فإذا ما أجتمع معه في مجلس فمن حقه عليه أن يحفظ العورة وأن يتق الله- تعالى - فيما بينه وبين هذا الرجل ، ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن علي- رضي الله عنه وأرضاه- أنه قال : كنت رجلا مذاءً أي كثير المذي فكنت أغتسل حتى تشقق ظهري فاستجييت أن أسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : لمكان بنته مني استحييت أن آتي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأن أواجهه وأقول أني مصاب بكذا وكذا مع أنه مضطر ومع أنه في دين وعبادة ولكن الكريم كريم في أدبه ووده وحفظه لماء وجهه . فينبغي على الزوج أن يحفظ حق رحمه ولقد ضيع بعض الناس في هذا الزمان الحياء فأصبح المجلس يجمعه بوالد زوجته فلا يستحيى ولا ينكف عن ذكر أمور يخجل من ذكرها أمامه ، وهذا لاشك أنه إساءة يقول بعض العلماء : أجمع العقلاء على أن هذا من بالغ الإساءة والإهانة لوالد الزوجة أن يذكر الزوج عنده ما يستحياً من ذكره فهذه آداب ومكارم أخلاق ينبغي حفظها والعناية بها ، ومن حقه أن يتفقد حاله وأن ينظر إلى حاله إن كان محتاجاً إلى معونة و مساعدة . يقول العلماء : صلة الرحم لم تأتي من فراغ أي أن الإنسان حينما أمر بصلة رحمه وبرهم وزيارتهم ليست خالية من معنى ومقصد وهو أن يتفقد حالهم فإن كانوا محتاجين ويستطيع المساعدة بذل ، ولو بالقليل الذي يستطيعه وإن كانوا مفتقرين إلى معونة معنوية كأن يدعوهم في أمر إلى الثبات على مصيبة أو بليه ثبتهم ، ومن ذلك إذا كان مريضاً عاده وإذا كان في نكبه ثبته على الصبر واحتساب الأجر ونحو ذلك مما يحتاج إليه عند الشدائد والملمات . ومن أكمل ما يكون من الزوج أنه إذا نزلت بأهل زوجه بليه أو مصيبة وجدوه أول رجل يطرق بابهم ، ومن أكمل ما يكون من الزوج أنه إذا أصيب والد زوجته بحاجة وفاقة كان أسبق الناس بالوقوف معه ومعونته ومساعدته لعلمه أن الله يرضى عنه ولعلمه أنه إذا وصله وصلة الله وأنه إذا أعطى اخلف الله عليه في دينه ودنياه وآخرته فحري بالزوج أن يسمو إلى الكمالات وأن يبذل من خيار ما يكون من التضحيات والمواقف الطيبة التي تنبئ عن طيب معدنه وزكاة نفسه وحبه للخير وما يريده لأهل زوجه وعليه إذا قام بهذه الحقوق ووجد من أهل زوجته ما ينتظر من تقيدر معروفه وتقدير سعيه أن يحمد الله- تعالى - وأن يشكره وإذا وجد منهم نكران الجميل وكفران النعمة ونسيان الفضل فليعلم علم اليقين أن الله-تعالى- يقول في كتابه : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } فاكمل ما يكون الأجر إذا بلي الزوج برحم يصلهم فيقطعوه ويعطيهم فيحرموه ويرفعهم فيضعوه فإن كان كذلك فكأنما يسفهم المل . فمن أفضل ما تكون الصدقة أي الإحسان والبر للقريب الكاشح وهو القريب الذي يكاشحك العداوة وتجد منه السوء والضر وأنت تبذل له الخير والنفع ولا شك أن ذلك أعظم ما يكون أجراً وأثقل ما يكون عند الله- تعالى - صلة وبراً ؛ لأن الذي يصل مثل في هذه المواقف ويبذل لمثل هذا النوع إنما يريد وجه الله ولا يريد شيئاً سواه ، وأعلم أنك تعامل الله وأن هذا واجب عليك دعاك إليه الله- تعالى - فإن قصروا في حقك فلا تقصر في حقهم . قال- صلى الله عليه وسلم - : (( أدي الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك )) ذكر بعض العلماء أنه كان يرى بعض طلابه يأتيه والد زوجته فيسب طالبه ويؤذيه ويذكر عند الشيخ أموراً عجيبة مكذوبة ملفقة على هذا الطالب والطالب لا يعلم أن والد زوجته يأتي إلى هذا الشيخ فكان هذا الرجل الظالم الذي هو والد زوجته يقول الزور والكذب ويتهم الزوج بما ليس فيه من أجل أن يقول له أنصحه وذكر وهذا لا خير فيه وهذا كذا وكذا حتى جاء الطالب فإذا جاء الطالب سأله الشيخ كيف حاله مع رحمه فقال نعم الرحم ونعم الناس وهو من بالغ ما يكون في الإحسان إليهم ومن بالغ ما يكون في التودد والملاطفة لهم ، فاستحلفه بالله يوماً من الأيام ، فقال له والله ما غششت ولا كذبت عليك وليس بيني وبينهم إلا الود والمحبة وإني قائم بكذا وكذا وذكر ما يكون من بره وإحسانه ، قال فتأثر الشيخ أثراً كبيراً مما كان من حال والد الزوج ، فقال له أي بين إن والد الزوج يقول كذا وكذا فاتق الله- تعالى - في والد الزوج إن كنت كاذباً وإن كنت صادقاً فاصبر على ما يكون منه فبكى ذلك الطالب وحلف بالله العظيم أنه صادق فيما يقول ، فلما حلف بالله العظيم انتظر الشيخ مجيء والد زوجته فقال له إنك زعمت كذا وزعمت كذا ، فقال له أي والله أنه كان كذا وكذا ، قال وتحلف بالله قال نعم أحلف بالله ، فدعا عليه الشيخ فقال له أسأل الله العظيم أن لا تمسي سالماً يومك هذا إن كنت كاذباً ، يقال : ما غابت الشمس إلا وهو مشلول-والعياذ بالله- ، فالظلم ظلمات وإذا كنت ترى من والد الزوج الإهانة
والأذلال فاعلم أنك تعامل الله وأنك تتقي الله في رحم وصى عليها الله من فوق سبع سموات ، وعلى الزوج وعلى الزوجة أيضاً كما أن على الزوج أن يحفظ حق والد الزوجة . كذلك على الزوجة أن تحفظ حق والدي الزوج ، ولذلك ينبغي على المرأة الصالحة أن تعي وتدرك أن حنان الوالدين وأن ما في قلبي الوالدين من الرحمة والصلة بالولد فوق الخيال وفوق التصور ، فينبغي أن تقدر هذه العاطفة وأن تقدر هذه الرحمة التي قذفها الله في قلب الوالد والوالدة ولا يكون هناك ما يبعث على الغيرة أو يبعث على قطع الوالد عن والديه ولتكن على علم أنها إذا أرادت أن يبارك الله لها في زوجها وأن يقر عينها في بعلها فلتعنه على بر والديه ، على الزوجة إذا كان والدي الزوج بحاجة إلى قرب الولد أن تكون قريبة من والدي الزوج وأن تقابل والدي الزوج بالمحبة والإجلال والوفاء . ولقد أباح الله وجعل والد الزوج محرماً للحليلة أبنه حتى يحصل التواد والتراحم والتواصل وتنظر المرأة لوالد زوجها وكأنه والد لها وتنظر إلى والد بعلها وكأنه والد لها فتشفق عليه وترعى أموره وتحسن إليه وكذلك لوالدته . وأكثر ما تقع المشاكل بين الزوجات والأمهات ؛ والسبب في ذلك واضح ، أن أبلغ الحنان وأكمل ما تكون الرحمة من أمةٍ لعبد أو من عبد لعبد أو من أمة لأمه ، إنما هو حنان الأم لولدها ولا تلام في ذلك قال- صلى الله عليه وسلم - لما دمعت عيناه على ابنه إبراهيم ، قيل ما هذا يا رسول الله ، قال : (( رحمة أسكنها الله في قلوب عباده )) فالله أسكن في قلب الأم رحمة تحن بها إلى ولدها وتصبح فراغة الهم إلا من ولدها ، فما على الزوجة إلا أن تقدر ذل ، فإذا انطلقت من منطلق الغيرة أو وسوس الشيطان لها بالوساوس والخطرات قطعت الوالدة عن ولدها وقطعت الزوج عن أمه وأبيه وعندها تتأذن لسخط الله-والعياذ بالله- وغضبه . الله أعلم كم من قلب أم تقرح بسبب أذية الزوجة وأضرارها ، الله أعلم كم من عين بكت ودمعت بسبب ظلم الزوجة وأذيتها لوالدي الزوج ، الله الله على المرأة المؤمنة أن تخاف الله وتتقيه وإذا كانت تعين بعلها على الظلم وعلى القطيعة فلتعلم أنه سيأتي يوم يؤذنها الله هي وبعلها بالعقوبة ، فالعقوق لا خير فيه فإنه من الذنوب التي يعجل الله بها العقوبة ، يقول بعض العلماء : إذا كانت المرأة تعين زوجها على عقوق الولدين تجمع بين ذنبين وبين إساءتين : الذنب الأول : أنها شريكة له في عقوق الوالدين-والعياذ بالله- . والذنب الثاني : أنها قاطعة للرحم . وجاء في الخبر أنه ما من ذنب أحرى أن تعجل عقوبته في الدنيا مع ما أدخر الله لصاحبه من عقوبة الآخرة من قطعية الرحم ، فقطيعة الرحم عذابها عاجل ، ولذلك قال الله في كتابه : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ @ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } . يقول بعض العلماء : من قطع رحمه ختم الله على قلبه فمهما مرت عليه المواعظ ومرت عليه الآيات لا يتعظ-نسأل الله السلامة والعافية- ، ولو اتعظ يتعظ إلى حين ، ولذلك كان بعض العلماء : إذا اشتكى أحد من قسوة القلب سأله وقال له كيف أنت والرحم فالمرأة التي تعين بعلها على عقوق الوالدين قاطعة لرحمها لا تخاف الله- تعالى - في زوجها ولا تخاف الله في رحمها وما عليها إلا أن تبذل كل ما تستطيع للصبر واحتساب الأجر وإذا كانت المرأة ترى من والدي الزوج أمورا توجب لها أن تضر بوالدي الزوج فعليها أن تسأل العلماء وأن ترجع لأهل العلم حتى تعلم ما الذي يجب عليها . ففي بعض الأحيان يتدخل والد الزوج ووالدة الزوجة أن يتدخل والد الزوجة ووالدة الزوجة في شؤون البيت الأمر الذي يحدث النفرة من الزوج أو يحدث النفرة عند الزوجة والواجب في مثل هذه المواقف أن ينظر الزوج والزوجة إلى المفاسد فإن وجد مفسدة تدخل والدي الزوجة أعظم من مفسدة إبعادها فحينئذ يبعدها عن والديها ، ويأذن لها بالزيارة في حدودٍ ضيقة حتى تصل وتقوم بحق البر مع الأمن من الأذية والإفساد والإضرار . وكذلك أيضاً إذا كان والداً الزوج يتدخلان في شؤون الزوجة وفي شؤون البيت بالإفساد والإضرار والأذية فالمرأة مخيرة بين أمرين ، إما أن تصبر وتحتسب الأجر فهذا أحسن وأفضل وأكمل ، وإما أن تنظر إلى المفاسد فإن غلبة مفسدة التدخل سألت زوجها أن يبعدها عن والديه ، وعلى الأزواج أن يتقوا الله في زوجاتهم فإذا نظروا أن تدخل الوالدين في شؤون البيت وأمور البيت أنه يحدث للمرأة أذية وإضراراً لا يسعها الصبر عليهما على الزوج أن يتقي الله في زوجته وأن ينصفها من أهله ووالديه ، وإذا قام بإبعاد زوجته عن والديه فلا يعد عاقاً لوالديه ولو سكن بعيداً عن والديه في هذه الحالة المشتملة على الإضرار والأذية مع تفقد الوالدين فإنه لا يعتبر عاقاً لوالديه ؛ لأن الله- تعالى - لا يأمر بالظلم ولا يرضى بالظلم ، فلا يأمر  الله- تعالى - بالظلم فيقال للرجل أبقى هاهنا إرضاء لوالديك والولدان سوطا عذاب على المرأة في أذية وإضرار وظلم وإجحاف ، والعكس كذلك ، وعلى الزوج وعلى الزوجة أن يتقي الله كل منهما في الآخر وأن ينظر للأمور بمنظارها الشرعي من حيث ترتب المفاسد ووجود المصالح ، وإذا كانت المرأة ترى المفاسد عظيمة واختارت الصبر فهذا أفضل وأعظم أجراً ؛ لأن الله-تعالى- يقول : { فَبَشِّرْ عِبَادِي @ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } . قالوا : أحسنه يعنى أحسن القرآن لأن القرآن فيه حسن وفيه أحسن فحسن القرآن أن ترد المرأة الإساءة بالإساءة والرجل يرد الإساءة بالإساءة ؛ ولكن الأحسن أن يرد الإساءة بالإحسان وذلك لمن قال الله عنه : { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } هذا من جهة والدي الزوجة ووالدا الزوج ، أما بالنسبة لبقية القرابة كالإخوان والأخوات ونحو ذلك فعلى كلا الزوجين أن يتقوا الله في القرابة . والأخ قد ينزل منزلة الوالد ، يقول بعض العلماء : وهو مذهب الحنفية وطائفة من أهل العلم : إن الأخ الكبير إذا مات الأب ينزل منزلة الأب في حفظ وده ورعايته وإكرامه وبره إن الأخ الكبير إذا مات الأب يكون له من الحق في البر والصلة كمنزلة الأب هذا يختاره جمع من العلماء ، و قال بعض العلماء : إن الأعمام ينزلون منزلة الآباء ، وكذلك أيضاً الأخوال ينزلون منزلة الأمهات ولذلك قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : (( الخالة بمنزلة الأم )) . فإذا كان للزوجة أخ كبير أو هو الذي قام بتزويجها ورعايتها يكون له من حفظ الحق والود والإكرام والإجلال مثل الذي ذكرنا ، وليس الأمر بمختص بوالد الزوجة ولكنه يشمل كذلك الإخوان والقرابات ولو كان عمها ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول : (( إن عم الرجل صنو أبيه )) . فنزل العم منزلة الأب ونزلت الخالة منزلة الأم فقال : (( الخالة بمنزلة الأم )) ، لما اختصم في بنت حمزة- رضي الله عنه - فأمر بحضانتها للخالة وقضى بذلك وقال : (( الخالة بمنزل الأم )) كما ثبت في الصحيح . فهذا كله يدل على أن القرابة لها حق وأن الأمر لا يختص بالوالد والوالدة وإذا رأى الزوج حنان الزوجة لأخيها الأكبر وإكرامها فليعذرها في ذلك خاصة إذا تربت يتيمة في حجره وهو الذي قام عليها فعليه أن يكرم ذلك منه وعليه أن يقوم بإكرام أخيها والقيام بحقه كما ذكرنا في حقوق الوالدين . نسأل الله العظيم أن يعصمنا من الزلل وأن يوفقنا في القول والعمل . وهذه الحقوق أعني حقوق الأرحام أكثر ما يحتاج إليها في التطبيق والذي دعانا أن نفردها في هذا المجلس شدة الحاجة ، ولذلك كان الناس يحفظون حقوق قرابات الزوج والزوجة لأن الفطر لم تتلوث بالدخن وكان الناس يربون أبناءهم وبناتهم على حفظ حقوق الأرحام ، ولكن لما ساءت التربية في هذه الأزمنة المتأخرة وأصبحت هذه الحقوق ضائعة احتجنا للتنبيهه عليها وتحتاج إلى التنبيه عليها أكثر والدعوة إلى التزامها والقيام بها أكثر حتى على الخطباء وطلاب العلم عليهم أن يعتنوا بذلك ، فقد بلغ ببعضهم أن يجلس والد زوجته وهو حطمه في آخر عمره لكي يقاضيه ، يقول بعض القضاة من أصعب ما أراه من القضايا ومن أصعب ما يؤلمني ويزعجني في الفصل بين الناس أن أرى شيخاً كبيراً في آخر عمره له مكانته وجلالته يجلس معه حدث السن السفيه الجاهل لكي يسب بنته في وجهه ويكشف عورته ويهينه ويذله لا يرعى فيه إلاً ولا ذمة . قال : هذا هو الذي قرح قلبي حيث أني أتشوش في بعض الأحيان ولا أستطيع أن أفصل مما أرى ومما أسمع فأين الذي وصى الله به وأين الذي يفعله الناس تراه في آخر عمره وتجد الزوج يصب عليه البلايا وكل يوم وهو واقف على بابه يشتكي من بنته ويذكر عوراتها وسوءاتها وزلاتها وخطيئاتها وقد يكون رجلاً مريضاً لا يرحمه في مرضه ولا يرعى كبر سنه فهذه الأمور تتقرح لها القلوب ويحزن لها كل مؤمن فالواجب أن يعتنى بمثل هذا ولا يمكن لنا أن نتلافى مثل هذه السلبيات إلى بأمرين مهمين : الأمر الأول : التربية الصالحة أبناءنا وبناتنا إذا زج بهم إلى الزواج يعلمون يوجهون يربون على الأخلاق الحميدة على الآداب الكريمة على حفظ الحقوق على رعاية الذمة فيصبح الإبن بمجرد أن يزوج كأنه مدين بالفضل ويصبح يرعى حق والد زوجته وقرابتها ، والمرأة كذلك البنت تعلمها أمها وترعاها وتجلس معها توجهها التوجيه الكامل الفاضل الذي يبعثها على مكارم الأخلاق وعلى محاسن العادات . وأما الأمر الثاني : فالتواصي بالحق ، كثرت هذه المشكلات والمشاكل الزوجية بين الناس فقل أن تجد من ينصح وقل أن تجد من يعظ وقل أن تجد من يذكر بل تجد الصاحب يجلس مع صاحبه والصديق مع صديقه والقريب مع قريبه يسمع بملء أذنه الزوج يسب آل زوجته ولا يقول له اتق الله ولا يقول له أذكر المعروف ولا يقول له ما قال الله : { وَلاَ تَنسَوْا
الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } . فيا أيها الأحبة في الله واجب أن نتناصح واجب أن نحي ما أمر الله باحيائه من تقوى الله في الرحم ، { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ } . كانت العرب في جاهليتها الجهلاء وضلالتها العمياء إذا اشتد الأمر بين الرجل والرجل فأراد أن يعظه ويذكره ويخوفه حتى يعود إليه قال له سنشدتك الله والرحم فينكسر الرجل ويمتنع إن كان يريد منه ألا يفعل شيء تركه وإن كان يريد منه أن يفعل شيء فتلكأ عنه قال له سنشدك الله والرحم فعله ، وأنه يحس أن هذه الرحم شيء كبير ، ومن هنا قال- صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيح : (( إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلنا خيراً ، فإن لهم رحماً )) وهي مصر يقول إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً فإنه لهم رحماً . أم إسماعيل هاجر وهي من مصر وكذلك أيضاً أم إبراهيم مارية وهي من مصر ، فقال-عليه الصلاة السلام- استوصوا بأهلها خيراً مع أنها رحم للنبي- صلى الله عليه وسلم - وجعله رحماً للأمة ، (( استوصوا بها خيراً )) فإنه لهم رحماً هذا كله في الرحم مع بعدها فيكف إذا قربت الرحم ، فلذلك ينبغي التواصي بمثل هذه الحقوق وإحياؤها في النفوس وإذا جلسنا في المجالس ورأينا من يذم أهل زوجه ذكرناه بالله وخوفناه بالله وإذا سمعنا بمشكلة بين قرابة منابين أرحام وصلت إلى قطعية الرحم تدخل العقلاء والحكماء فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينهم وذلك هو الذي يرضى الله وهو الذي وصى الله به من فوق سبع سموات . نسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يحسن الأحوال ، وأن يحسن لنا لكم حسن الخاتمة المآل ، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . . وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمَْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَميْنَ وصلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارك على عبده ونبيّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .