الشرح : الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى الأمين صلى الله عليه وعلى آله ومن سار على نهجه ومنواله إلى يوم الدين أما بعد : فلا زال حديثنا موصولاً عن الحقوق الزوجية ، وقد تقدم في المجلس الماضي بيان ما فرض الله على الزوجة تجاه زوجها وفي هذا المجلس سيكون حديثنا إن شاء الله عن ما أوجب الله- تعالى - على الزوج تجاه زوجته وهذا من عدل الله-تبارك وتعالى- فإن الله-سبحانه- عدل بين الزوجين فأمر الأزواج وأمر الزوجات ولم يخص واحداً منهما بالأمر ليكون ظلماً للآخر : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ، فرض الله على الأزواج حقوقاً تجاه زوجاتهم هذه الحقوق من حفظها وحافظ عليها وأداها على وجهها فقد حفظ وصية النبي- صلى الله عليه وسلم - في أهله . قال- صلى الله عليه وسلم - : (( استوصوا بالنساء خيراً )) فمن حفظ هذه الحقوق وحافظ عليها فإنه من خيار عباد الله المؤمنين ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )) . فهي الحقوق العظيمة التي فرض الله على زوج يخافه ويتقيه ويعلم علم اليقين أنه محاسبه ومجازيه . هذه الحقوق إذا قام الأزواج بها على وجهها كانت السعادة وكانت الطمأنينة وشعرت المرأة بفضل الزوج وأنه مؤمن قائم لله- تعالى - بحقه وحقوق عباده ، وإذا رأت المرأة من زوجها الاستهتار والاستخفاف بحقوقها تنكد عيشها وتنغصت حياتها حتى ربما أنها لا تستطيع أن تقوم بعبادتها على وجهها بما ينتابها من الوساوس والخطرات وبما تحسه من الذل والاضطهاد والأذية . ولذلك قال العلماء : إن إضاعة حقوق الزوجات أعظم من إضاعة حقوق الأزواج ، لأن الزوجة إذا ضاع حقها لاتدري ماذا تفعل ولا أين تذهب وهي تحت ذلك الزوج الذي يمسكها للإضرار والتضييق عليها . وأما الرجل فإنه إذا ظلمته المرأة وضيعت حقه استطاع أن يطلق وقد يكون بقوته وما أعطاه الله من الخلقة وفطره عليها أن يصبر ويتحمل ؛ ولكن المرأة لا تستطيع ذلك . ولهذا قال العلماء : ظلم النساء في حقوقهن عظيم والمرأة إذا ظُلمت ضاقت عليها الأرض بما رحبت فتحس أنها قد فشلت في حياتها وأنها لا مفر لها من هذا البلاء وليست كالزوج الذي يطلق وينفك من بلائه ، ولهذا يكون مفرها إلى الله وشكواها إلى الله وتبث حزنها إلى الله وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيراً . ولذلك أنزل الله في كتابه آية المجادِلة وأخبر أنه سمع شكوى المرأة من فوق سبع سماوات ، قالت أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها وأرضاها- : إني لمن وراء الستر يخفى علي بعض كلامها وهي تقول إلى الله أشكو ثعلبة إلى الله أشكو ثعلبة ، قالت فسمعها الله من فوق سبع سماوات فسبحان من وسع سمعه الأصوات . فالمرأة إذا ظلمت وضيق عليها واضطهدت لا تستطيع الشكوى إلا إلى الله بل يبلغ ببعض النساء أنه يضيع حقها وتضطهد في بيتها وتظلم من زوجها ولا تستطيع الشكوى لا لأبيها ولا لأخيها ولا لقرابتها وفاءاً لبعلها وزوجها ، وقد لاتستطيع الدعاء عليه ولا شكوى أمره إلى الله لأنها تحبه ولا تريد السوء له وهذا يقع في المرأة الحرة الأبية ، ولذلك تقع بين نارين لا تستطيع الصبر عليهما إلا بالله- تعالى - . هذه الحقوق التي فرض الله على الأزواج تنزلت من أجلها الآيات ، ووقف النبي- صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع أمام أصحابه في آخر موقف وعظ به أكثر أصحابه في حجة الوداع فكان مما قال : (( اتقوا الله في النساء )) . حق الأمر بطاعة الله : هذه الحقوق أعظمها وأجلها حق الأمر بطاعة الله- تعالى - . فأول ما ذكر العلماء من حقوق الزوجة على زوجها أن يأمرها بطاعة الله-تبارك وتعالى- هذا الحق الذي من أجله قام بيت الزوجية فإن الله شرع الزواج وأباح النكاح لكي يكون عوناً على طاعته ويكون سبيلاً إلى رحمته ، فالواجب على الزوج أن يأمر زوجته بما أمر الله وأن ينهاها عما حرم الله ، وأن يأخذ بحجزها عن عقوبة الله ونار الله . أشار الله-تعالى- إلى هذا الحق العظيم بقوله : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } . قال بعض العلماء : أمر الله نبيه- صلى الله عليه وسلم - والأمر للأمة وللرجال من الأمة أن يأمروا أهليهم بما أمر الله وذلك بدعوتهم لفعل ما أوجب الله وترك ما حرم الله- تعالى - فيكون الزوج في البيت آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر إذا رأى خيراً ثبت قلب المرأة عليه وإذا رأى حراماً صرفها عنه وحذرها ووعظها وذكرها وإلا أخذها بالقوة وأطرها على الحق أطراً وقسرها عليه قسراً حتى يقوم حق الله في بيته قال بعض العلماء : كان بعض أهل العلم يعجب من هذه الآية الكريمة : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً } كان بعض العلماء يتعجب من هذه الآية لأن الله قال فيها : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ } ثم قال بعد ذلك بعد أن أمره بالصبر وبالاصطبار عليها : { لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ } ، قال : إنه ما من زوج يقوم بحق الله وما فرض الله عليه في أهله وزوجه ويَعِظُها ويُذكِّرها حتى يقوم البيت على طاعة الله ومرضاة الله إلا كفاه الله أمر الدنيا فالله- تعالى - يقول : { لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً } . كأن اقامته لأمر الله طريق للبركة في الرزق وطريق للخير والنعمة على هذا البيت المسلم القائم على طاعة الله ومحبة الله- تعالى - . للمرأة على بعلها حق الأمر بطاعة الله ، ولذلك كان من وصية الله لعباده المؤمنين إذا أرادوا الزواج أن يختاروا المرأة الدينة المؤمنة الصالحة لأنها هي التي تقيم بيتها على أمر الله- تعالى - وما فرض الله . قال- صلى الله عليه وسلم - تنكح المرأة لأربع : (( لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك )). قال العلماء : إنما قال فاظفر بذات الدين لأنها غنيمة وأي غنيمة إن أمرها بطاعة الله أئتمرت وإن نهاها عن حدود الله ومحارمه انكفت وانزجرت. هذا الحق وهو حق الأمر بطاعة الله إذا ضيعه الزوج خذله الله في بيته وخذله الله مع أهله وزوجه وأولاده فلم تر عينك رجلاً لا يأمر بما أمر الله في بيته ولا يتمعر وجهه عند انتهاك حدود الله مع أهله وولده إلا سلبه الله الكرامة وجعله في مذلة ومهانة وجاء اليوم الذي يرى فيه سوء عاقبة التفريط في حق الله الذي أوجب الله عليه في أهله وولده . أمرنا-جل وعلا- أن نقي أنفسنا وأهلينا ناراً وقودها الناس والحجارة فمن ضيع هذا الحق سلب الله المهابة من وجهه وسلب الله المهابة من قلب أهله وولده ، وأما إذا رأت عيناك زوجاً آخذاً بحجز زوجته عن نار الله يقيمها على طاعة الله ومرضاة الله وجدت المحبة والمودة والهيبة والإجلال ، ومن وفى لله وفى الله له ، ولذلك قال الله -تعالى- : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدّاً } . فالذي يأمر زوجته بما أمر الله ويقيمها على طاعة الله ومرضاة الله يضع الله له القبول والمحبة والهيبة والكرامة ، ولذلك ينبغي على الزوج أن يضع نصب عينيه أول ما يضع أن يقيم بيت الزوجية على طاعة الله وتقواه ، ولا يستطيع أن يقوم بهذا الحق على أتم الوجوه وأكملها إلا بأمور مهمة نبه العلماء أو بعض أهل العلم على بعضها : أولها : وأعظمها أنه إذا أراد نصيحة زوجته بأمرٍ بما أمر الله أو نهي عما حرم الله فينبغي أن يكون السبب الباعث له هو مرضاة الله بمعنى أنه إذا وعظ زوجته فأراد أن يأمرها بطاعة الله أو ينهاها عن معصية الله لا ينطلق من جهة السمعة أو من جهة العاطفة ، ولذلك تجد الرجل يقول لامرأته ( فضحتيني ) ، أو ماذا يقول الناس عني أو نحو ذلك من محبة السمعة أو العواطف التي لا ينبغي أن تكون هي أساس دعوته ومحور وعظه ونصحه . قال بعض العلماء : لا يبارك الله لكثير من الأزواج في وعظهم لزوجاتهم لأنهم يعظون خوفاً على أنفسهم وخوفاً على السمعة لكن إذا وعظ الرجل ووعظ الزوج وهو يخاف الله على زوجته ويخشى أن يصيبها عذاب الله بارك الله له في كلماته وبارك الله له في موعظته وبلغت الموعظة مبلغها وكان لها أثرها ، ولذلك أول ما يوصى به من يأمر أهله ويعظهم ويريد أن يحثهم على طاعة الله أن يخلص لله في دعوته . أما الأمر الثاني : القدوة فإن الزوجة لاتطيع زوجها ولا تمتثل أمره ولا تعينه على أداء هذا الحق في امتثال ما يقول إلا إذا كان قدوة لها ، ولذلك الواجب على الزوج أن يهيء من نفسه القدوة لزوجته كيف تطيع الزوجة زوجها إذا أمرها بواجب وحثها على أدائه وهي تراه يضيع حقوق الله وواجباته ، كيف تطيع الزوجة رجلاً يقول لها اتقي الله وتراه ينام عن الصلوات ويضيع الفرائض والواجبات وتراه لايبالي بحقوق الناس ، فلذلك إذا وجدت القدوة تأثرت الزوجة وأحست أن هذا الكلام الذي يخرج من الزوج يخرج بإيمان وقناعة وأنه ينبغي أن تمتثله وأن تسير على نهجه لأنها ترى الكلام مطابقاً للفعل فتتأثر بذلك وسرعان ما تمتثل . أما الأمر الثالث : تخير الكلمات الطيبة التي تلامس شغاف القلوب وتؤثر في المرأة فتستجيب لداعي الله بامتثال أمره وترك نهيه وهذا هو الذي أوصى الله به كل من يعظ فقال-سبحانه- : { وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} . فالذي يريد أن يقيم زوجته على طاعة الله يتخير أفضل الألفاظ وأحسنها والتي تؤثر في نفسية الزوجة ترغيباً أو ترهيباً فإن كانت الزوجة تستجيب بالترغيب حثها بالترغيب وإن كانت تستجيب بالترهيب حثها بالترهيب وخوفها ويكون ذلك بقدر مع اشفاق وخوف من الله- تعالى - . هذه الأمور إذا تهيأت ينبغي أن يَسْلَمِ الزوج من ضدها مما ينفر من قبول دعوته كالكلمات الجارحة والعبارات القاسية " أنت
لاتفهمين ، أنت عاصية أنت كذا " ، فهذا لا ينبغي بل ينبغي على الزوج إذا وعظ زوجته خاصة عند الخصومة أو عند الخطأ والزلل أن لا يَفْجُرَ في قوله قال العلماء الفجور في القول أن يبالغ في وصفها فيصفها بأشنع الأوصاف وهي لا تستحق ذلك الوصف وهذا هو من شأن النفاق فإن المنافق إذا خاصم فجر فبعض الأزواج إذا رأى أقل تقصير من زوجته حمَّل ذلك التقصير ما لم يحتمل من الوصف وقرع زوجته بأشنع العبارات وأقساها وأقذعها فإذا كانت المرأة صالحة أحست بالنقص وتأثرت فإن القلوب تتأثر بالكلمات الجارحة ولو كان الرجل مستقيماً وعلى طاعة الله فإنه يتأثر ، ولذلك ينبغي على الزوج أن يتحفظ وأن يتوقى في الألفاظ وهذا أصل في الدعوة إلى الله- تعالى - : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } . فالموعظة الحسنة هي الموعظة المشتملة على الكلمات الطيبة والنصائح القيمة الهادفة التي تنصب على الأمر الذي يراد فعله والنهي عن الأمر الذي لا يراد فعله . حق النفقة : أما الحق الثاني الذي أوجب الله للزوجات على أزواجهن فهو حق النفقة وهذا الحق دل عليه دليل الكتاب والسنة والإجماع قال الله في كتابه : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } . ينفق إذا كان غنياً مما آتاه الله على قدر غناه وإذا كان فقيراً مما آتاه الله على قدر فقره هذه الآية الكريمة يقول العلماء فيها أمران : الأمر الأول : وجوب النفقة في قوله : { لِيُنفِقْ } فالنفقة واجبه . والأمر الثاني : أنها تتقيد بحال الرجل إن كان غنياً فينفق نفقة الغنى فذو سعة من سعته أي ذو الغنى من غناه وذو الفقر من فقره في قوله-تعالى- : { وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ } . فهذه ثلاثة أمور النفقة واجبة وعلى الغني على قدر غناه وعلى الفقير على قدر ما آتاه الله . وكذلك أوجب الله النفقة في قوله-سبحانه- : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } . فأخبر-سبحانه وتعالى - أن الرجل له فضل على المرأة بالقيام بنفقتها وثبتت في السنة الصحيحة عن النبي- صلى الله عليه وسلم - بالأمر بالنفقة والحث عليها ووصية الأزواج بالقيام بها على وجهها حتى أباح للمرأة أن تأخذ من مال الزوج إذا امتنع من الانفاق عليها قال- صلى الله عليه وسلم - حينما اشتكت إليه هند-رضي الله عنها- فقالت : - يا رسول الله - إن أبا سفيان رجل شحيح مِسِّيك أفآخذ من ماله ؟ فقال-عليه الصلاة والسلام- : (( خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف )). قالت : - يا رسول الله - إن أبا سفيان رجل شحيح مسيك أي رجل شحيح ويمسك المال فإذا أنفق لاينفق نفقة تكفيني وكذلك أيضاً مسيك أي يخاف على ماله . يقول بعض العلماء : لعل هنداً تجاوزت في الوصف وذلك أن هنداً كانت من الأثرياء ومن بيت غنى ، ولذلك قالت رجل شحيح مِسَّيك فبالغت في الوصف وقال بعض العلماء : لم تبالغ . الذين قالوا إنها بالغت في الوصف قالوا إن جواب النبي- صلى الله عليه وسلم - لها قال : (( خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف )) ولذلك قالوا : لم يعط لها الأمر بدون تقييد . والذين قالوا إنها قد اشتكت من ضيق يد أبي سفيان قالوا إن هذا يؤكد أنها ظلمت لقوله : (( خذي )) - وهذا هو الصحيح أعني الوجه الثاني . وعلى هذا لما قال لها خذي من ماله دل على أن المرأة لها في مال الرجل حق من أجل النفقة . وأما الدليل الثاني من السنة فإن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم على نسائكم حقاً فأما حقكم على نسائكم إن لايطئن فرشكم من تكرهون وألا يَأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون ، وأما حقهم عليكم أن تحسنوا إليهن في طعامهن وكسوتهن )) فأما حقهن عليكم قالوا قولة حق يدل على أنه واجب ولازم على الزوج فدل هذا الحديث على أن النفقة من الزوج على زوجته أنها واجبة ولازمة . وفي حديث معاوية- رضي الله عنه وأرضاه- : أن رجلاً سأل النبي- صلى الله عليه وسلم - ما حق امرأتي علي ؟ قال : (( تطعمها مما تطعم وتكسوها مما تكتس )) . فدل على أن من حق المرأة على زوجها أن يطعمها ويكسوها . وأجمع العلماء-رحمة الله عليهم- على أن الزوج يجب عليه أن ينفق على زوجته بالمعروف ، قال بعض أهل العلم : إنما وجبت النفقة على الرجال ؛ لأن المرأة محبوسة في البيت عاطلة عن العمل والأصل في المرأة أن تقوم على بيتها وأن ترعى بيتها . وقد أشار النبي- صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بقوله في خطبته كما في الصحيح في حجة الوداع : (( استوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عندكم عوان )) . عوان أي أسيرات قالوا ولذلك أُمِرَ الرجل أن يقوم بالانفاق على المرأة من أجل هذا . أما الأمر الثاني الذي جعل النفقة على الرجل للمرأة فالحقوق المتبادلة والمنافع التي يبادل كل منهما الآخر ، فالمرأة يستمتع بها الرجل ، قال-تعالى- : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } فاستحقت أن تأخذ أجرها على ما يكون منها من القيام بحق بعلها في فراشه ، ولذلك قالوا إذا نشزت وامتنعت من الفراش كان من حقه أن يمتنع من الإنفاق عليها ونص بعض العلماء على أن من أسباب النفقة كونها فراشاً للرجل فلهذا كله أوجب الله على الرجال الإنفاق على النساء والقيام بحقوقهن وهذه النفقة فيها مسائل : المسألة الأولى : ما هي أنواع النفقة التي ينبغي على الزوج أن يقوم بها تجاه زوجته ؟ المسألة الثانية : ما هي ضوابط النفقة التي ينبغي أن يتقيد بها الرجل بمعنى أن يؤديها على سبيل اللزوم وإذا أداها برئت ذمته؟ أما بالنسبة لأنواع النفقة فإنها تنحصر في الإطعام والكسوة والسكن فهذه ثلاثة أمور ينبغي للزوج أن يرعاها في إنفاقه على زوجته وأهله وولده . أما الإطعام فإن النبي- صلى الله عليه وسلم - نبه عليه في حديث عمرو بن الأحوص- رضي الله عنه وأرضاه- في خطبته في حجة الوداع فقال : (( أما حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في طعامهن وكسوتهن )) قال العلماء : إن عموم الأدلة التي دلت على النفقة يدخل فيها الطعام ؛ لأن الله- تعالى - قيد ذلك بالمعروف وقيده النبي- صلى الله عليه وسلم - بالمعروف والمعروف في أعراف المسلمين أن الزوج يطعم زوجته ويقوم على طعامها على الوجه الذي لا إضرار فيه . والطعام يستلزم أن يقوم الزوج بتهيئة ما تحتاجه المرأة وكذلك ولده بالتبع من جهة الأكل . قال العلماء : يلزمه أمران : الطعام وما يحُتاج إليه لاستصلاح الطعام . فيطعمها فيكون الطعام كحب ونحو ذلك وما يؤتدم به الطعام فهذا كله لازم على الزوج ويكون مقيداً بالعرف فإذا كان غنياً فإنه يكون طعامه مرتبطاً بطعام الأغنياء مثله فلا يُطعم الغني طعام الفقير ولا يُطعم الفقير طعام الغني بمعنى لايلزمه ذلك ، ولا تطالبه المرأة بمثل ذلك . قال العلماء : الطعام ينقسم في الأعراف إلى ثلاثة أقسام (الأفضل والجيد والرديء والوسط بينهما ) فإن كان مال الرجل ودخله وما هو فيه من الحال هو حال أهل الغنى وجب عليه أن يطعم زوجته بالطعام الجيد الذي يطعمه مثله من ذوي اليسار ، وإذا عدل عن الطعام الجيد إلى اردائه فإنه يكون ظالماً وكان من حق الوالي والقاضي أن يلزمه بأجود الطعام وأحسنه كذلك أيضاً العكس فإنه إذا كان فقيراً وسألته المرأة أو وليها أن يطعمها طعاماً أفضل من طعام مثله وألحت عليه في ذلك لم يجب عليه أن يلبي لها ذلك ؛ لأن الله- تعالى - أمر الإنسان أن ينفق على قدر ما أعطاه قال : { وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ } وقوله : { وَمَنْ قُدِرَ } يعني من ضيق كما قال -تعالى- : { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ } . أي يوسع ويضيق فقوله : { وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } يعني ضُيِّق عليه . وهنا مسألة : وهي أن الزوج ربما يكون ماله ودخله طيباً ولكن تنتابه ظروف لا يستطيع معها أن ينفق نفقة مثله وهذه الظروف تنقسم إلى قسمين : القسم الأول : إما أن تكون ظروفاً قسرية تجبره على أن يقصر في النفقة وينزل عن نفقة مثله فهذا اغتفره العلماء كما لو طرأت عليه خسارة أو طرأت عليه مصيبة في ماله فاحتاج أن يدفع فأخذ يقسط من شهره حتى ضيق على أهله في طعامهم فهذا لا إثم عليه . القسم الثاني : أن تكون ظروفاً كمالية كأن يريد أن يشتري شيئاً صالحاً وهذا الشيء من باب الكمال كسيارة أو نحو ذلك كما ذكر بعض العلماء من دابة أو مركوب أو نحو ذلك يريد أن يشتري أفضل مركوب وهذا الأفضل مركوب سيكون على حساب زوجه وأولاده فيضيق عليهم في النفقة قالوا إنه يكون ظالماً في هذه الحالة وأنه لا يجوز له في هذه الحالة أن يطلب الكمال على وجه يضيع فيه الحق الواجب بل عليه أن يبقى على النفقة ويلزم شرعاً في الإفتاء والقضاء أن يبقى على نفقة مثله ولو اعتذر بهذا الكمال فإنه لا عذر له فيه ويحكم بإثمه إذا ضيق على أهله وولده . الأمر الثاني مما يحتاج إليه في الإطعام يلزم الزوج بكل ما يُهيء به الطعام عرفاً فيشتري للمرأة الآلات والوسائل التي يمكن معها إصلاح الطعام ويعتبر شرعاً ملزماً به فإن امتنع أجبر قضاءاً ومن الأخطاء أن بعض الأزواج يمتنع من شراء بعض الآلات ويلزم الزوجة بشرائها وقد يلزم أولياءها بشرائها وهذا يعتبر من الظلم كما ذكر بعض أهل العلم-رحمة الله عليهم- بل ينبغي على الزوج أن يشتري آلة الطهي وإعداد الطعام ومواعينه ونحو ذلك وهو ملزم بها شرعاً ؛ ولكن قد تطالب المرأة بما هو أفضل فتطالب بشراء ما هو أغلى وأجود فمن حق الزوج أن يردها إلى الوسط الذي لا إفراط فيه ولا تفريط خاصة إذا كان من غير ذوي اليسار. كذلك أيضاً ينبغي على الزوج وهو الحق الثاني في الإطعام إذا قلنا إنه ينبغي عليه أن ينفق عليها في طعامها . فالسؤال هل يجب عليه أن يعطيها نفقة الطعام بيدها أم أنه يشتري الطعام لها ؟ إذا كان الزوج يريد إعطاء المرأة المال بيدها فلا بأس ؛ لكن إذا كانت المرأة سفيهة في التصرف ولا تحسن القيام والنظر لنفسها وولدها فإن من حقه أن يلي شراء ذلك . قال العلماء : إنه إذا كانت المرأة لا تحسن الأخذ لنفسها والإعطاء لغيرها كان من حقه أن يأخذ النفقة لكن الأصل انه يعطيها النفقة بيدها . وقال العلماء : يختلف ذلك باختلاف الناس فإن كان من الفقراء والضعفاء لزمه أن يعطي النفقة كل يوم بيوم وإن كان من أواسط الناس وأمكنه أن يعطي كل أسبوعٍ أو شهر فعل ذلك وإن كان من ذوي الغنى واليسار فأعطاها على الحول كان له ذلك . أما بالنسبة لنفقة اليوم فقال بعض العلماء : يلزمه أن يعطيها النفقة لما تستقبله من يومها فيعطي النفقة لليل لما يستقبل من صباحه إذا كان ضعيفاً أو عاملاً أو نحو ذلك يأخذ نفقته باليوم ولا يلزم شرعاً باعطاء زوجته نفقة الشهر ، ومن هنا من الخطأ ما يفعله بعض أولياء النساء من جبر الزوج مع ضيق حاله إذا كان ضيق الحال أو فقيراً أن ينفق على المرأة بالشهر أو بالأسبوع وهذا كما ذكر العلماء لا يلزمه شرعاً ؛ وإنما الواجب عليه أن يعطيها نفقة كل يوم بيومه هذا بالنسبة إذا كان ضعيفاً أو ضيق الحال . ويقول العلماء : في الأمر سعة إذا كان الزوج قد اصطلح مع زوجته ورضي الزوج مع زوجته فلا حرج عليه في ذلك أن يعطيها على الوجه الذي تقوم فيه بحقوقها . أما الحق الثاني فكسوة المرأة وهذه الكسوة دل عليها دليل العموم وقال النبي- صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : (( أن تحسنوا إليهم في طعامهن وكسوتهن )) . قال العلماء : على الزوج كسوتان كسوة في الصيف وكسوة في الشتاء هذا في الأصل ؛ ولكن إذا وُجد في العرف ما يوجب تكرار الكسوة ويكون على وجه لايضيق فيه على الرجل فيتحمل مالا يتحمله فإنه يعطي لها ذلك بالمعروف ؛ لأن الشرع قيد ذلك بالعرف وقال-تعالى- : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } . قالوا : فمن العشرة بالمعروف أنه إذا احتاجت إلى كسوة داخل بيتها وكسوة لخروجها لمناسبة أو نحو ذلك كساها كسوة واحدة في صيفها وشتائها لخروجها ، لكن استغلال المرأة لحقها في الكسوة وتحميلها لزوجها ما لا يتحمله يعتبر من الظلم ، ولذلك قال العلماء : لا يلزمه أن يكرر الكسوة لها في كل عام ؛ وإنما هو من باب الفضل لا من باب الفرض خاصة ما أصبح يفعله بعض النساء في العصور المتأخرة من تكرار اللبس للمناسبات على وجه لا يُشك أنه عين الإسراف الذي حرمه الله وعين البذخ الذي لم يأذن به الله فهذا لا يجب على الزوج أن يؤتيه لزوجته ولا يجب على الزوج إن يتحمله لزوجته بل عليه أن ينفق عليها بالعرف في حدود حاجتها وما زاد على ذلك يقول العلماء : إنه يكون مرده إلى المرأة فالمرأة هي التي تشتري لنفسها ما فضل على ذلك وزاد . الحق الثالث في الإنفاق على الزوجة السكن : فيجب على الزوج أن يسكن زوجته ويكون السكن بالمعروف فإن كان غنياً أسكنها سكن ذوي الغني وان كان فقيراً أسكنها على قدر حاله من الفقر ولا حرج أن يسكنها في سكن يملكه أو يستأجره أو يسكنها في رباط أو نحو ذلك إن كان ضيق الحال كما ذكر العلماء-رحمهم الله- . لكن إذا كان السكن في رباط أو موضع يأخذه بدون مقابل أو يستأجره بثمن زهيد وفي هذا الموضع ضرر على الزوجة وأذية على الزوجة فإنه يطالب شرعاً بالنقلة منه ويتعين عليه أن يسكنها فيما يليق به وبها . واختلف العلماء ، قال بعض العلماء : إنه يسكن على قدر حاله من الغنى والفقر . وقال بعضهم : بل يسكنها على قدر حالها هي فإن تزوج امرأة لها مكانه ولها منزلة لا يسكنها في سكن الفقراء والضعفاء ، لما في ذلك من الأذية والاضرار والتضييق عليها ، والعكس بالعكس . والذي يظهر والعلم عند الله أن الأمر يتقيد بالزوج لأن الله-تعالى- قيد النفقة بالزوج والذين قالوا إنه يسكنها على قدر حالها استدلوا بقوله-عليه الصلاة والسلام- : (( خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف )) ، فجعل الكفاية لها والأمر راجعاً إليها ؛ ولكن الصحيح هو المذهب الأول . وأن قوله : (( خذي ما يكفيك )) وولدك رجع إلى التقصير وليس كالأصل العام المضطرد في النفقات ، وعلى هذا فإن الزوج يسكنها فيما يليق به على حسب ماله فلا يجُحف بها ولا يُضر بها في ضيق المسكن ولا يجُحف بها ولا يضر بها في بعد المسكن ولا يجحف بها ولا يضر بها في منافع المسكن . بل قال العلماء : يلزمه أن يسكنها في المسكن الذي ترتفق به ويكون على حسب حاله كما ذكرنا من الغنى والفقر ، وعلى هذا فلو أسكنها في مسكن ضييق وحال مثله السعة يجبره القاضي ويُلزم في الفتوى ويكون ذلك ظلماً ويحكم عليه بأنه ينتقل إلى سكن مثله . لكن هنا مسألة وهي مسألة السكن بجوار الأهل أو البعد عن الأهل فبعض من النساء قد
يطلبن السكن بجوار أهلهن بعيداً عن أهل الزوج وقد يطالب الزوج بسكن المرأة بجوار أهله وهذا أمر في الحقيقة يحتاج إلى نظر فإن المرأة والرجل إذا اعترض الواحد منهما على السكن بجوار أهل الزوج أو الزوجة نُظِرَ وعُدِلَ في الفصل بينهما فإن كان البعد عن أهل الزوجة لمقصد شرعي وهو خوفه على زوجته الفتنة أو خوفه على زوجته أن تفسد بالقرب من أهلها أو كان الموضع القريب من أهل زوجته فيه جار سوء أو نحو ذلك كان من حق الزوج أن يصرفها إلى أي سكن يرى أنه أصلح وأفضل لها وليس من حق الزوج أن يلزم الزوجة بالسكن بجوار أهله مادام أن أهله لا يحفظون حقوق الله في بيته فيتدخلون في شئون زوجته وشئون أولاده فإذا وقع هذا كان من حق الزوجة أن تطالبه بالانتقال من هذا السكن إلى سكن أبعد ومن حقها أن تطالب بذلك لأن بقائها في هذا الموضع فيه ضرر . أما لو كان الزوج يريدها أن تسكن بجوار والديه لبره لوالديه ووجود حاجة من الوالد والوالدة لقرب الزوج فإنه حينئذ يلزم الزوجة أن تستجيب وأن تبقى بجوار أهله وجوار والديه إذا كان الوالدان لا يضران بالزوجة . فإذاً عندنا حالات : الحالة الأولى : أن يلزمها الزوج بالسكن بجوار أهله فتلتزم بذلك خاصة إذا كان والداه بحاجة إليه فإنه يلزمها شرعاً إلا إذا كان الوالدان يتدخلان في شئون الزوج ويضران بها ويؤذيانها فمن حقها ألا تستجيب وتطالبه بأن يبعدها عن والديه حسما لمادة الفتنة وأسبابها . الحالة الثانية : إذا كانت الزوجة تطلب أن تكون بجوار أهلها وكان الزوج لا مشقة عليه ولا ضرر من جهة والديها فالأفضل والأكمل أن يستجيب لها في ذلك لأنه يقوم بحق أهله وَرَحِمِه فإن أهل الزوجة لهم حق على الزوج والله وصى من فوق سبع سموات بالأرحام خيراً فقربه من أهل زوجته من صلة الرحم ومن الإحسان إلى الرحم ومن تقوى الله في الرحم فحينئذ يستجيب لها ، هذا بالنسبة لقضية القرب والبعد في المسكن . لكن هنا قضية وهي مسألة الجمع بين الزوجات في السكن الواحد قال العلماء في نوعية السكن الواجب : أنه ينبغي للزوج أن يكون سكن المرأة كاملاً بمنافعه ، فإذا أراد أن يجمع أكثر من زوجة في سكن واحد نُظِر فإن كان لكل واحدة منهن سكنها منفصلاً في مكان راحتها ومنافع سكنها عن الثانية كان من حقه ذلك ولا حرج عليه في ذلك ، لكن إذا شَرَّكَ بينهم في الشقة الواحدة المجتمعة المنافع لم يكن من حقه ذلك لأن الغيرة توجب الإضرار بالزوجة ، إذا كان عند الأخرى خاصة إذا اشتركن في السكن ، ولذلك نبه العلماء على أنه في حالة التعدد لا يكون السكن مشترك المنافع بين الزوجات لأنه يوجب ايقاع الفتنة بين الزوجات وقد يفسد على الزوج الحياة الزوجية ، ولذلك قالوا يطالب بفصلهما عن بعضهما . فإذا كانا مثلاً في شقة واحدة فصل بينهما وجعل لكل شقة منافعها المستقلة بها فحق له حينئذ أن يسكنهن على هذا الوجه ، أما إذا كانت المنافع مشتركة ومختلطة فحينئذ ليس من حقه ذلك ، إلا إذا رضي الزوجات وتراضين على ذلك واستقمن في عشرتهن فهذا شيء يستثنى . أما من جهة الحق الواجب فمن حق كل واحدة أن تطالب بالانفصال عن الأخرى وأن يكون لها انفصال في سكنها ومنافع ذلك السكن وليس من حق الزوج أن يلزمها بأن تكون مع ضرتها سواء كانت واحدة أو كانت أكثر من واحدة فإن اشتركن في السكن الواحد وكانت المنافع لكل واحدة منافع سكنها نظر فان كان قرب الزوجة من الزوجة فيه ضرر عليها كأن تكون الزوجة الثانية مؤذية للزوجة الأولى والقرب يوجب الأذية ويوجب الإضرار كان من حق الزوجة أن تطالب زوجها بأحد أمرين : الأمر الأول : إما أن يكف الأذية عنها . الأمر الثاني : وإما أن يتحول إلى سكن تكون فيه مستقلة بعيدة عن أذية الأخرى لها. بقيت مسائل في النفقة أولها متى تجب النفقة ، ومتى تقسط ؟ متى تجب النفقة أي متى تستحق المرأة أن تطالب زوجها بالنفقة ومتى يحكم القاضي بوجوب النفقة على الزوج لزوجته . الشرط الأول : ينبغي أن يكون العقد صحيحاً فلا تجب النفقة في عقد فاسد فإذا كان عقد النكاح فاسداً فإنه لا يطالب الزوج بالنفقة ؛ لأن النفقة أثر مبني على العقد الصحيح فإذا كان العقد فاسداً لم يؤمر بالنفقة كنكاح الشغار ونكاح المتعة ونحو ذلك فهذا لا تجب فيه النفقة . الشرط الثاني : أن تكون الزوجة مدخولاً بها فإذا عقد الرجل على الزوجة ولم يدخل بها لا يطالب بالنفقة عليها إلا في حالة واحدة وهي أن يمكنه أهل الزوجة من الدخول بها فيتأخر ، فإذا قال له أهل الزوجة أدخل بها وها هي زوجتك أدخل بها فامتنع من الدخول بها حينئذ كأنها زوجته وكأنها في عصمته والحبس منه لا منها . ولذلك قالوا : إذا استأجرت عاملاً للعمل فمكنك من نفسه يستحق الأجره ولو لم يعمل فلو جئت به ووضعته في بيته ، أو قال لك سأتيك يوماً وجاءك ولم يشتغل ذلك اليوم وكان عدم عمله منك أنت لزمتك نفقته ، ولذلك قالوا : هذا مستحق للحبس ، فلما حبسها في عصمته ومُكِّنَ من الدخول بها ولم يدخل كان من حقها أن تطالبه بالنفقة . الشرط الثالث : إن تمكنه من الاستمتاع فإذا كانت ناشزه ممتنعه عن زوجها أن يطأها سقط حقها في النفقة ، وليس لها حق أن تطالبه بالنفقة قال-تعالى- : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }. ومن هنا قال العلماء : إذا خرجت من بيتها إلى بيت أهلها بدون إذنه ولم تأت إلى زوجها وامتنعت حبسها أهلها شهراً أو شهرين أو ثلاثة فهذه المدة كلها لا تستحق فيها الزوجة النفقة ، ومن هنا تسقط نفقة المريضة فلو احتبست لمرض فإنه تسقط نفقتها ولكن من باب الإحسان يعطيها ويحسن إليها . الشرط الرابع : أن لا تكون ناشزاً فالمرأة إذا نشزت على زوجها وأصبحت تمتنع من فعل أمره وتخالفه ولا تستجيب لما يأمرها به وتؤذيه وتضاره ولا تعاشره بالمعروف كان من حقه أن يقطع النفقة عنها ، ولذلك قال العلماء : المرأة الناشز لا تستحق النفقة إذا كان نشوزها كاملاً ويدخل في ذلك امتناعها من الفراش كما قدمنا . بقيت مسألة ثانيه : متى تستحق النفقة وهل إذا مرضت المرأة هل يجب على الزوج أن ينفق عليها في علاجها ودوائها ؟ جماهير أهل العلم وحكى بعض العلماء الإجماع على أن الزوج لا يجب عليه أن يعالج زوجته وأنها إذا مرضت فعلاجها عليها وليس عليه أن ينفق عليها لدواءٍ وعلاج لكن قالوا إذا جرى العرف بالمداواة والمعالجة وجرى ذلك بين الناس فإنه يستحسن له أن يفعل بها ذلك وأجره عند الله كبير لأن أفضل من تحسن إليه هو أقرب الناس منك وأفضل من توده وتكرمه هو اقرب الناس منك ، وأقرب الناس إلى الإنسان أهله فلذلك ينفق عليها ؛ ولكن إذا كان دوائها وعلاجها أو كان فقيراً أو كان ذلك يضر به وامتنع وقال لا يجب علي وامتنع كان من حقه عليه ذلك ولا يلزم به شرعاً . تستثنى من ذلك حالة وهي حالة الحمل فإذا كانت المرأة في حال حملها تحتاج إلى علاج وإلى دواء من أجل جنينها ومن أجل ولدها فإنه يجب عليه أن ينفق لاتصال الحق به من جهة ولده ، ولذلك يقوم على علاجها ويقوم أيضاً على حق الولادة وما يتبع ذلك من الأمور المستحقة لتعلق نفقة الجنين به . هذه النفقات يجب على الزوج أن يقوم بها بالمعروف وإذا قصر الزوج حكم بإثمه قال العلماء : إذا امتنع من الإنفاق على الزوجة ترتب أمران : الأمر الأول : الحكم بإثمه . الأمر الثاني : أنه يعزره القاضي . فإذا امتنع وأضر بالمرأة وحصل بسبب امتناعه إضرار ورفعت أمرها إلى القاضي فإنه يستحق التعزيز لمكان الأذية والإضرار ، وعلى القاضي أن يلزمه بقضاء ما مضى من النفقات فلو مضت مدة والزوج ممتنع من الإنفاق قدر القاضي نفقة الزوجة فيها وأمر الزوج بقضاء ذلك كله . وقال بعض العلماء : تسقط النفقة بمضي المدة إذا سكتت المرأة وهذا قول مرجوح . والصحيح مذهب الجمهور أنها حق في الذمة والمرأة تطالب به زوجها ؛ لأن الله- تعالى - فرض عليه ذلك الحق فإذا قصر فيه ألزم بضمانه على الوجه المعروف . وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمَْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَميْنَ وصلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارك على عبده ونبيّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .